معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

{ فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم } يعني من مشركي مكة ، { آثماً أو كفوراً } يعني وكفوراً ، والألف صلة . قال قتادة : أراد بالآثم الكفور أبا جهل وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نهاه أبو جهل عنها ، وقال : لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن عنقه . وقال مقاتل : أراد بالآثم : عتبة بن ربيعة ، وبالكفور الوليد بن المغيرة ، قالا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال فارجع عن هذا الأمر ، قال عتبة : فأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر ، وقال الوليد : أنا أعطيك من المال حتى ترضى ، فارجع عن هذا الأمر ، فأنزل الله هذه الآية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

والفاء فى قوله : { فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ } للإِفصاح . وعدى فعل الصبر باللام ، لتضمنه معنى الخضوع والاستسلام لقضائه - سبحانه - .

أى : ما دام الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - فاصبر لحكم ربك ، واخضع لقضائه ومشيئته ، فهو - سبحانه - الكفيل بنصرك عليهم .

وقوله : { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً } أى : ولا تطع - أيها الرسول الكريم - من هؤلاء المشركين ، من كان داعياً إلى الإثم والفجور ، أو من كان داعيا إلى الكفر والجحود .

ولم يقل - سبحانه - ولا تطع منهم آثمار وكفورا بالواو ، لأن الواو تجعل الكلام محتملا للنهى عن المجموع ، وأن طاعة أحدهما دون الآخر تكفى فى الامتثال .

ولذا قال الزجاج : إن " أو " هنا أَوْكد من الواو ، لأنك إذا قلت : لا تطع زيدا وعمرا ، فأطاع أحدهما كان غير عاص ، فإن أبدلتها بأو ، فقد دللت على أن كل واحد منهما ، أهل لأن يعصى ، ويعلم منه النهى عن إطاعتهما معاً .

والآثم : هو الفاجر بأقواله وأفعاله . والكفور : هو الجاحد بقلبه ولسانه .

ورحم الله صاحب الكشاف ، فقد قال عند تفسيره لهاتين الآيتين ما ملخصه : تكرير الضمير بعد إيقاعه اسما لإِنّ : تأكيد على تأكيد ، لمعنى اختصاص الله - تعالى - بالتنزيل ، ليتقرر فى نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان هو المنزل للقرآن ، لم يكن تنزيله على أى وجه نزل ، إلا حكمة وصوابا ، كأنه قيل : ما نزل عليك القرآن تنزيلا مفرقا منجما ، إلا أنا لا غيرى ، وقد عرفتنى حكيما فاعلا لكل ما أفعله .

فإن قلت : كلهم كانوا كفرة ، فما معنى القسمة فى قوله : { آثِماً أَوْ كَفُوراً } ؟ قلت : معناه لا تطع منهم راكبا لماهو إثم ، داعيا لك إليه ، أو فاعلا لما هو كفر ، داعيا لك إليه . لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل إثم أو كفر ، أو غير إثم ولا كفر ، داعيا لك إليه . لأنهم إما أن يدعوه إلى مساعدتهم علىفعل إثم أو كفر ، أو غير إثم ولا كف : فنهى عن أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث . فإن قلت : معنى أو : ولا تطع أحدهما ، فهلا جئ بالواو وليكون نهيا عن طاعتهما جميعا ؟

قلت : لو قيل : ولا تطعهما ، جاز أن يطيع أحدهما ، وإذا قيل : لا تطع أحدهما ، علم أن الناهى عن طاعة أحدهما : عن طاعتهما جميعا أنهى ، كما إذا نهى عن أن يقول لأبويه أف ، علم أنه منهى عن ضربهما بالطريق الأولى .

.

والمقصود من هاتين الآيتين تثبيت فؤاد النبى صلى الله عليه وسلم وتيئيس المشركين من استجابته صلى الله عليه وسلم لأى مطلب من مطالبهم الفاسدة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

23

هنا تجيء اللفتة الثانية :

( فاصبر لحكم ربك ، ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) . .

إن الأمور مرهونة بقدر الله . وهو يمهل الباطل ، ويملي للشر ، ويطيل أمد المحنة على المؤمنين والابتلاء والتمحيص . . كل أولئك لحكمة يعلمها ، يجري بها قدره ، وينفذ بها حكمه . . ( فاصبر لحكم ربك ) . . حتى يجيء موعده المرسوم . . اصبر على الأذى والفتنة . واصبر على الباطل يغلب ، والشر يتنفج . ثم اصبر أكثر على ما أوتيته من الحق الذي نزل به القرآن عليك . اصبر ولا تستمع لما يعرضونه من المصالحة والالتقاء في منتصف الطريق على حساب العقيدة : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) . . فهم لا يدعونك إلى طاعة ولا إلى بر ولا إلى خير . فهم آثمون كفار . يدعونك إلى شيء من الإثم والكفر إذن حين يدعونك إلى الالتقاء بهم في منتصف الطريق ! وحين يعرضون عليك ما يظنونه يرضيك ويغريك ! وقد كانوا يدعونه باسم شهوة السلطان ، وباسم شهوة المال ، وباسم شهوة الجسد . فيعرضون عليه مناصب الرياسة فيهم والثراء ، حتى يكون أغنى من أغناهم ، كما يعرضون عليه الحسان الفاتنات ، حيث كان عتبة بن ربيعة يقول له : " ارجع عن هذا الأمر حتى أزوجك ابنتي ، فإني من أجمل قريش بنات ! " . . كل الشهوات التي يعرضها أصحاب الباطل لشراء الدعاة في كل أرض وفي كل جيل !

( فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) . . فإنه لا لقاء بينك وبينهم ؛ ولا يمكن أن تقام قنطرة للعبور عليها فوق الهوة الواسعة التي تفصل منهجك عن منهجهم ، وتصورك للوجود كله عن تصورهم ، وحقك عن باطلهم ، وإيمانك عن كفرهم ، ونورك عن ظلماتهم ، ومعرفتك بالحق عن جاهليتهم !

اصبر ولو طال الأمد ، واشتدت الفتنة وقوي الإغراء ، وامتد الطريق . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

{ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ }أي : كما أكرمتُكَ بما أنزلتُ عليك ، فاصبر على قضائه وقَدَره ، واعلم أنه سَيُدَبرك بحسن تدبيره ، { وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } أي : لا تطع الكافرين والمنافقين إن أرادوا صَدّك عما أنزل إليك{[29617]} بل بَلّغ ما أنزل إليك من ربك ، وتوكل على الله ؛ فإن الله يعصمك من الناس . فالآثم هو الفاجر في أفعاله ، والكفور هو الكافر بقلبه .


[29617]:- (1) في أ: "عليك".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

فاصبر لحكم ربك بتأخير نصرك على كفار مكة وغيرهم ولا تطع منهم آثما أو كفورا أي كل واحد من مرتكب الإثم الداعي لك إليه ومن الغالي في الكفر الداعي لك إليه وأو للدلالة على أنهما سيان في استحقاق العصيان والاستقلال به والقسم باعتبار ما يدعونه إليه فإن ترتب النهي على الوصفين مشعر أنه لهما وذلك يستدعي أن تكون المطاوعة في الإثم والكفر فإن مطاوعتهما فيما ليس بإثم ولا كفر غير محظور .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا} (24)

وقوله تعالى : { آثماً أو كفوراً } هو تخيير في أن يعرف الذي ينبغي أن لا يطيعه بأي وصف كان من هذين لأن كل واحد منهم فهو آثم وهو كفور ، ولم تكن الأمة حينئذ من الكثرة بحيث يقع الإثم على العاصي .

قال القاضي أبو محمد : واللفظ أيضاً يقتضي نهي الإمام عن طاعة آثم من العصاة أو كفور من المشركين ، وقال أبو عبيدة : { أو } بمعنى الواو وليس في هذا تخيير .