معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ} (132)

قوله تعالى : { وأمر أهلك بالصلاة } أي قومك . وقيل : من كان على دينك ، كقوله تعالى : ( وكان يأمر أهله بالصلاة ) { واصطبر عليها } أي : اصبر على الصلاة ، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر { لا نسألك رزقاً } لا نكلفك أن ترزق أحداً من خلقنا ، ولا أن ترزق نفسك وإنما نكلفك عملاً { نحن نرزقك والعاقبة } الخاتمة الجميلة المحمودة { للتقوى } أي لأهل التقوى . قال ابن عباس : الذين صدقوك واتبعوك واتقوني . وفي بعض المسانيد أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا أصاب أهله ضر أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ} (132)

ثم كلف الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمر أهل بيته بالمداومة على إقامة الصلاة فقال : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا } .

والمراد بأهل بيته - صلى الله عليه وسلم - أزواجه وبناته : وقيل : ما يشملهم ويشمل معهم جميع المؤمنين من بنى هاشم . وقيل المراد بهم : جميع أتباعه من أمته .

أى : وأمر - أيها الرسول الكريم - أهل بيتك بالمداومة على إقامة الصلاة بخشوع وإخلاص واطمئنان ، واصطبر على تكاليفها ومشاقها ، وعلى إقامتها كاملة غير منقوصة ، وعلى تحقيق آثارها الطيبة فى نفسك .

وقد ساق بعض المفسرين عن تفسيره لهذه الآية أحاديث منها ما أخرجه البيهقى عن عبد الله بن سلام قال : كان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة ، وتلا هذه الآية : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة } .

وأخرج مالك والبيهقى عن أسلم قال : كان عمر بن الخطاب يصلى من الليل ما شاء الله - تعالى - أن يصلى حتى إذا كان آخر الليل أيقظ أهله للصلاة ويقول لهم : الصلاة ، الصلاة ويتلو هذه الآية . . .

وقوله - سبحانه - { لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقبة للتقوى } تشجيع وتحريض للمؤمنين على إقامة الصلاة ، ودفع لما يتوهمه البعض من أن المداومة على إقامة الصلاة قد تشغل الإنسان عن السعى فى طلب المعاش .

أى : مر - أيها الرسول الكريم - أهلك بالمداومة على الصلاة ، واصطبر على تكاليفها ، فهذه الصلاة هى من أركان العبادات التى خلقك الله وخلق عباده من أجلها ، ولا يصح أن يشغلكم عنها أى شاغل من سعى فى طلب الرزق أو غيره ، فنحن لا نكلفكم أن ترزقوا أنفسكم أو غيركم ، وإنما نحن الذين نرزقكم ونرزق الخلق جميعا قال - تعالى - : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا . . . } وقال - سبحانه - : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السميع العليم } وقوله { والعاقبة للتقوى } أى : والعاقبة الحميدة لأهل التقوى والخشية من الله - تعالى - الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة .

روى الترمذى وابن ماجه عن أبى هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقول الله - تعالى : " يا بان آدم . تفرغ لعبادتى ، املأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ، ولم أسد فقرك " " .

وروى ابن ماجه عن زيد بن ثابت قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من كانت الدنيا همه ، فرق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له . ومن كان الآخرة نيته ، جمع له أمره ، وجعل غناه فى قلبه ، وأتته الدنيا وهى راغمة " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ} (132)

99

( وأمر أهلك بالصلاة ) . . فأول واجبات الرجل المسلم أن يحول بيته إلى بيت مسلم ؛ وأن يوجه أهله إلى أداء الفريضة التي تصلهم معه بالله ، فتوحد اتجاههم العلوي في الحياة . وما أروح الحياة في ظلال بيت أهله كلهم يتجهون إلى الله .

( واصطبر عليها ) . . على إقامتها كاملة ؛ وعلى تحقيق آثارها . إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . وهذه هي آثارها الصحيحة . وهي في حاجة إلى اصطبار على البلوغ بالصلاة إلى الحد الذي تثمر فيه ثمارها هذه في المشاعر والسلوك . وإلا فما هي صلاة مقامة . إنما هي حركات وكلمات .

هذه الصلاة والعبادة والاتجاه إلى الله هي تكاليفك والله لا ينال منها شيئا . فالله غني عنك وعن عبادة العباد : ( لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى )إنما هي العبادة تستجيش وجدان التقوى ( والعاقبة للتقوى ) . فالإنسان هو الرابح بالعبادة في دنياه وأخراه . يعبد فيرضى ويطمئن ويستريح . ويعبد فيجزى بعد ذلك الجزاء الأوفى . والله غني عن العالمين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡـَٔلُكَ رِزۡقٗاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ} (132)

وقوله : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } أي : استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة ، واصطبر أنت على فعلها كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [ التحريم : 6 ] .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه : أن عمر بن الخطاب كان يبيت عنده أنا ويرفأ ، وكان له ساعة من الليل يصلي فيها ، فربما لم يقم{[19573]} فنقول : لا يقوم الليلة كما كان يقوم ، وكان إذا [ استيقظ أقام ]{[19574]} - يعني أهله - وقال : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا }{[19575]} .

وقوله : { لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ } يعني{[19576]} إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب } [ الطلاق : 2 ، 3 ] ، وقال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذاريات : 56 - 58 ] ولهذا قال : { لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ } وقال الثوري : { لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا } أي : لا نكلفك الطلب . وقال ابن أبي حاتم [ أيضًا ]{[19577]} حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث ، عن هشام ، عن أبيه ؛ أنه كان إذا دخل على أهل الدنيا ، فرأى من دنياهم طرفًا فإذا رجع إلى أهله ، فدخل الدار قرأ : { وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } إلى قوله : { نَحْنُ نَرْزُقُكَ } ثم يقول : الصلاة الصلاة ، رحمكم الله .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن أبي زياد القَطَوَاني ، حدثنا سَيَّار ، حدثنا جعفر ، عن ثابت قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابه خصاصة نادى أهله : " يا أهلاه ، صلوا ، صلوا " . قال ثابت : وكانت{[19578]} الأنبياء إذا نزل بهم{[19579]} أمر فزعوا إلى الصلاة . {[19580]}

وقد روى الترمذي وابن ماجه ، من حديث عمران بن زائدة ، عن أبيه ، عن أبي خالد الوالبي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى : يا ابن آدم تَفَرَّغ لعبادتي أمْلأ صدرك غنى ، وأسدّ فقرك ، وإن لم تفعل ملأتُ صدرك شغلا ولم أسدّ فقرك " {[19581]} .

وروى ابن ماجه من حديث الضحاك ، عن الأسود ، عن ابن مسعود : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : " من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله هَمّ دنياه . ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك " {[19582]} .

وروي أيضًا من حديث شعبة ، عن عُمَر بن سليمان{[19583]} عن عبد الرحمن بن أبان ، عن أبيه ، عن زيد بن ثابت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كانت الدنيا هَمَّه فرَّق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له . ومن كانت الآخرة نيَّته ، جمع له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة " {[19584]} .

{ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } أي : وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة ، وهي الجنة ، لمن اتقى الله .

وفي الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت الليلة كأنا في دار عقبة بن رافع وأنا أتينا برطب [ من رطب ]{[19585]} ابن طاب ، فأولت ذلك أن العاقبة لنا في{[19586]} الدنيا والرفعة وأن ديننا قد طاب " {[19587]} .


[19573]:في ف، أ: "لم ينم".
[19574]:زيادة من ف، أ.
[19575]:ورواه مالك في الموطأ (1/119) عن زيد بن أسلم عن أبيه بنحوه.
[19576]:في ف: "أي".
[19577]:زيادة من ف، أ.
[19578]:في ف: "وكان".
[19579]:في أ: "بها".
[19580]:ورواه الإمام أحمد في الزهد برقم (48) عن سيار به، دون قول ثابت.
[19581]:سنن الترمذي برقم (2466) وسنن ابن ماجه برقم (4107) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".
[19582]:سنن ابن ماجه برقم (4106).
[19583]:في ف: "عمرو بن سليم".
[19584]:سنن ابن ماجه برقم (4105). وقال البوصيري في الزوائد (3/271): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات".
[19585]:زيادة من ف، أ، ومسلم.
[19586]:في ف: "في الدار الدنيا".
[19587]:صحيح مسلم برقم (2270) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.