{ ووجدك ضالاً فهدى } يعني ضالاً عما أنت عليه فهداك للتوحيد والنبوة . قال الحسن والضحاك وابن كيسان : { ووجدك ضالاً } عن معالم النبوة وأحكام الشريعة غافلاً عنها ، فهداك إليها ، كما قال : { وإن كنت من قبله لمن الغافلين } ( يوسف- 3 ) ، وقال : { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان }( الشورى- 52 ) . وقال : ضالاً في شعاب مكة فهداك إلى جدك عبد المطلب روى أبو الضحى عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير ، فرآه أبو جهل منصرفاً عن أغنامه فرده إلى عبد المطلب " . وقال سعيد بن المسيب : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في قافلة مسيرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقةً جاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل به عن الطريق ، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الحبشة ، ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك . وقيل : وجدك ضالاً ضال نفسك لا تدري من أنت ، فعرفك نفسك وحالك .
وقوله - تعالى - { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى } بيان لنعمة أخرى أنعم - سبحانه - بها على نبيه صلى الله عليه وسلم :
وللمفسرين فى معنى هذه الآية كلام طويل ، نختار منه قولين : أولهما : أن المراد بالضلال هنا الحيرة فى الوصول إلى الحق ، والغفلة عما أوحاه الله - تعالى - إليه بعد ذلك من قرآن كريم ، ومن تشريعات حكيمة . . مع اعتقاده صلى الله عليه وسلم قبل النبوة أن قومه ليسوا على الدين الحق ، بدليل أنه لم يشاركهم فى عبادتهم للأصنام ، ولا فى السلوك الذى يتنافى من مكارم الأخلاق .
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : { ضالا } معناه : الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع . .
وقال الإِمام الشيخ محمد عبده - رحمه الله - : عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : نشأ صلى الله عليه وسلم موحدا ، لم يسجد لصنم ، وطاهر الخلق ، لم يرتكب فاحشة ، حتى عرف بين قومه بالصادق الأمين ، فضلال الشرك ، وضلال الهوى فى العمل ، كانا بعيدين عن ذاته الكريمة .
ولكن الضلال أنواع أخر ، منها : اشتباه المآخذ على النفس ، حتى تأخذها الحيرة فيما ينبغى أن تختار . . وهذا هو الذى عناه الله - تعالى - بالضلال فى هذه الآية الكريمة .
وقد هداه - سبحانه - إلى الحق بعد هذه الحيرة ، بأن اختار له دينا قويما وعلمه كيف يرشد قومه . هذا هو معنى قوله - تعالى - : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى } ، وهو معنى قوله - تعالى - فى سورة الشورى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان . . . } وليس فى وصف النبى صلى الله عليه وسلم بالضال على هذا المعنى شين له ، أو حط من شأنه ، بل هذا فخره وإكليل مجده صلى الله عليه وسلم حيث كان على غير علم فعلمه الله ، ولم يكن مطلعا على الغيب ، فأطلعه الله على ما يريد إطلاعه عليه ، وبهذا التفسير نستغنى عن خلط المفسرين فى التأويل . .
أما القول الثانى فى معنى الآية الكريمة ، فهو أنه صلى الله عليه وسلم كان بين قوم مشركين ، وكان بعرضه أن يضل معهم ، ولكن الله - تعالى - حبب إليه الانفراد عنهم ، واعتزال شركهم وسوء أخلاقهم . . فكان بذلك كالشجرة المنفردة فى الصحراء ، والعرب تسمى الشجرة التى بهذه الصفة ضالة .
قال القرطبى : قوله - تعالى - : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى } أى : غافلا عما يراد بك من أمر النبوة ، فهداك ، أى : أرشدك . والضلال هنا بمعنى الغفلة .
وقال قوم : { ضالا } أى : لم تكن تدرى القرآن الكريم والشرائع ، فهداك الله إليهما .
وقال قوم { ضالا } أى : وجدك فى قوم ضلال فهداهم الله - تعالى - بك ، والعرب إذا وجدت شجرة منفردة فى فلاة من الأرض ، لا شجر معها ، سموها ضالة ، فيهتدى بها إلى الطريق ، فقال - سبحانه - لنبيه { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى } أى : لا أحد على دينك ، وأنت وحيد ليس معك أحد ، فهَدَيْتُ بك الخلق إلى دينى . .
هذا هما القولان اللذان نرتاح إليهما ، وارتياحنا إلى أولهما أشد وأقوى ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نشأ فى بيئة منحرفة فى عقائدها وأخلاقها ، لم تطمئن نفسه الكريمة إليها ، إلا أنه كا نحائرا فى الوصول إلى الدين الحق ، فهداه الله - تعالى - إليه ، والهداية إلى الحق بعد الحيرة والضلال عنه ، منة عظمى ، ونعمة كبرى .
وهناك أقوال أخرى ضعيفة كقولهم : { ضالا } أى : عن القبلة فهداك الله إليها ، أو { ضالا } فى شعاب مكة ، فهداك الله وردك إلى عمك أو { ضالا } فى سفرك مع عمك إلى الشام ، فردك الله - تعالى - إليه .
ولقد كنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة ، كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك [ خديجة رضي الله عنها ] عن أن تحس الفقر ، أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء !
ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد ، منحرفة السلوك والأوضاع ، فلم تطمئن روحك إليها . ولكنك لم تكن تجد لك طريقا واضحا مطمئنا . لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا . . ثم هداك الله بالأمر الذي أوحي به إليك ، وبالمنهج الذي يصلك به .
والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى ، التي لا تعدلها منة ؛ وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ؛ ومن التعب الذي لا يعدله تعب ، ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يعانيه في هذه الفترة ، من انقطاع الوحي وشماتة المشركين ووحشة الحبيب من الحبيب . فجاءت هذه تذكره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه !
وقوله : { وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى } كقوله { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] ومنهم من قال [ إن ]{[30188]} المراد بهذا أنه ، عليه السلام ، ضل في شعاب مكة وهو صغير ، ثم رجع . وقيل : إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام ، وكان راكبًا ناقة في الليل ، فجاء إبليس يعدل بها عن الطريق ، فجاء جبريل ، فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة ، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق . حكاهما البغوي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.