قوله : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى } ، أي : غافلاً عما يراد بك من أمر النبوة فهداك أي : أرشدك ، والضلال هنا بمعنى الغفلة ، لقوله تعالى : { لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } [ طه : 52 ] أي : لا يغفل ، وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين } [ يوسف : 3 ] وقيل : معنى قوله : «ضالاًّ » لم تكن تدري القرآن ، والشرائع ، فهداك اللهُ إلى القرآن ، وشرائع الإسلام ، قاله الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما . قال تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان } [ الشورى : 52 ] على ما تقدم في سورة الشورى .
وقال السديُّ والكلبي والفراء : وجدك ضالاًّ ، أي : في قوم ضلال ، فهداهم الله بك ، أو فهداك إلى إرشادهم{[60412]} .
وقيل : وجدك ضالاً عن الهجرة ، فهداك وقيل : «ضالاً » ، أي : ناسياً شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهفِ ، وذي القرنين ، والروح ، فأذكرك ، لقوله تعالى : { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا } [ البقرة : 282 ] .
وقيل : ووجدك طالباً للقبلة فهداك إليها ، لقوله تعالى : { قَدْ نرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السمآء } [ البقرة : 144 ] ، ويكون الضلال بمعنى الطلب ؛ لأن الضال طالب .
وقيل : وجدك ضائعاً في قومك ، فهداك إليهم ، ويكون الضلال بمعنى الضياع .
وقيل : ووجدك محباً للهداية ، فهداك إليها ؛ ويكون الضلال بمعنى المحبة ومنه قوله تعالى : { قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم } [ يوسف : 95 ] ، أي : في محبتك .
5241- هَذا الضَّلالُ أشَابَ منِّي المفْرِقَا *** والعَارضَينِ ولَمْ أكُنْ مُتحقِّقَا
عَجَباً لعزَّة في اخْتِيَارِ قَطيعَتِي*** بَعْدَ الضَّلالِ فحِبْلُهَا قَدْ أخْلقَا{[60413]}
وقيل : ضالاً في شعاب «مكة » ، فهداك وردك إلى جدك عبد المطلب .
وقال كعب - رضي الله عنه - : إن حليمة لما قضت حق الرضاع ، جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتردهُ على عبد المطلب ، فسمعت عند باب «مكة » : هنيئاً لك يا بطحاء «مكة » ، اليوم يرد إليك الدين والبهاء والنور والجمالُ ، قالت : فوضعته لأصلح ثيابي{[60414]} ، فسمعت هدة شديدة فالتفت فلم أره ، فقلت : معشر الناس ، أين الصبي ؟ فقالوا : لم نر شيئاً فصحتُ : وامحمداه ، فإذا شيخ فإن يتوكأ على عصاه ، فقال : اذهبي إلى الصنم الأعظم ، فإن شاء أن يرده إليك فعل ، ثم طاف الشيخ بالصَّنم ، وقبل رأسه وقال : يا رب ، لم تزل منتك على قريش ، وهذه السعدية تزعم أن ابنها قد ضلّ ، فرده إن شئت ، فانكبّ هبل على وجهه ، وتساقطت الأصنام ؛ وقالت : إليك عنا أيها الشيخ فهلاكُنَا على يدي محمد فألقى الشيخ عصاه وارتعد وقال : إن لابنك رباً لا يضيعه فاطلبيه على مهل ، فانحشرت قريش إلى عبد المطلب ، وطلبوه في جميع «مكة » ، فلم يجدوه فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعاً ، وتضرع إلى الله أن يرده ؛ وقال : [ الرجز ]
5242- يا ربِّ ، رُدَّ ولَدِي مُحَمَّداً *** أرْدُدْهُ ربِّي واصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا{[60415]}
فسمعوا منادياً ينادي من السماء : معاشر الناس لا تضجوا ، فإن لمحمد ربَّا لا يضيعه ولا يخذله ، وإن محمداً بوادي «تهامة » ، عند شجرة السَّمُرِ ، فسار عبد المطلب هو وورقة بن نوفل ، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم تحت شجرة يلعب بالإغصان وبالورق{[60416]} .
وفي رواية : فما زال عبد المطلب يردد البيت حتى أتاه أبو جهل على ناقة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم بين يديه ، وهو يقول : ألا تدري ماذا جرى من ابنك ؟ .
فقال عبد المطلب : ولم ؟ قال : إني أنخت الناقة ، وأركبته خلفي فأبت الناقة أن تقوم ، فلما أركبته أمامي قامت النَّاقة .
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : رده إلى جده وبيد عدوه ، كما فعل بموسى - عليه الصلاة والسلام - حين حفظه عند فرعون{[60417]} .
وقال سعيد بن جبيرٍ : خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في سفر ، فأخذ إبليس بزمام ناقته في ليلة ظلماء فعدل بها على الطريق ، فجاء جبريل - عليه السلام - فنفخ لإبليس نفخة وقع منها إلى أرض «الهند » ، ورده إلى القافلة صلى الله عليه وسلم{[60418]} .
وقيل : ووجدك ضالاً ليلة المعراج حين انصرف عنك جبريل ، وأنت لا تعرف الطريق ، فهداك إلى ساق العرش .
وقال بعض المتكلمين : إذا وجدت العرب شجرة منفردة في فلاة من الأرض ، لا شجر معها ، سموها ضالة ، فيهتدى بها إلى الطريق ، فقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : «ووجَدَكَ ضالاًّ » أي لا أحد على دينك ، بل وأنت وحيد ليس معك أحد ، فهديت بك الخلق إلي .
وقيل : ووجدك مغموراً في أهل الشرك ، فميزك عنهم ، يقال : ضل الماءُ في اللبن ، ومنه { أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض } [ السجدة : 10 ] ، أي : لحقنا بالتراب عند الدَّفن ، حتى كأنا لا نتميز من جملته وقيل : ضالاًّ عن معرفة الله حين كنت طفلاً صغيراً ، كقوله تعالى : { والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً } [ النحل : 78 ] فخلق فيك العقل والهداية والمعرفة ، فالمراد من الضال الخالي من العلم لا الموصوف بالاعتقاد ، قيل : قد يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد قومه فقوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فهدى } أي وجد قومك ضلالاً فهداهم بك .
وقيل : إنه كان على ما كان القوم عليه لا يظهر لهم في الظاهر الحال ، وأما الشرك فلا يظن به على مواسم القوم في الظاهر أربعين سنة .
وقال الكلبي والسدي أي وجدك كافراً والقوم كفاراً فهداك ، وقد مضى الرد على هذا القول في سورة الشورى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.