فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ} (7)

{ ووجدك ضالا فهدى } معطوف على المضارع المنفي وقيل على ما يقتضيه الكلام الذي قبله كما ذكرنا أي قد وجدك يتيما إلخ والضلال هنا بمعنى الغفلة كما في قوله { لا يضل ربي ولا ينسى } كما في قوله { وإن كنت من قبله لمن الغافلين } والمعنى أنه وجدك غافلا عما يراد بك من أمر النبوة ، واختار هذا الزجاج وقيل معنى ضالا لم تكن تدري القرآن ولا الشرائع فهداك لذلك ، يعني ليس المراد به الإنحراف عن الحق ، فهذا كقوله تعالى { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } تأمل .

وقال الكلبي والسدي والفراء وجدك في قوم ضلال فهداهم الله بك ، أو فهداك إلى إرشادهم أو ضالا عما أنت عليه الآن من الشريعة فهداك الله تعالى إليها ، وقيل وجدك ضالا عن الهجرة فهداك إليها ، وقيلا ناسيا شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فذكرك كقوله تعالى { أن تضل إحداهما } وقيل وجدك طالبا للقبلة فهداك إليها كما في قوله { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها } ويكون الضلال بمعنى الطلب لأن الضال طالب .

وقيل وجدك ضائعا في قومك فهداك إليهم ، ويكون الضلال بمعنى الضياع ، وقيل وجدك محبا للهداية فهداك إليها ، ويكون الضلال بمعنى المحبة ، كقوله تعالى { إنك لفي ضلالك القديم } وقيل وجدك ضالا في شعاب مكة فهداك أي ردك إلى جدك عبد المطلب .

وعن ابن عباس قال وجدك بين الضالين فاستنقذك من ضلالتهم ، وقيل ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب فرده إلى القافلة .

ولا يجوز أن يفهم به عدول عن حق ووقوع في باطل ، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم من أول حاله إلى نزول الوحي عليه معصوما من عبادة الأوثان ، وقاذورات أهل الفسق والعصيان .

وقيل ضالا نفسك لا تدري من أنت فعرفك نفسك وحالك ، وقيل ضالا ليلة المعراج حين انصرف عنك جبريل وأنت لا تعرف الطريق فهداك إلى ساق العرش ، وقيل معناه لا أحد على دينك بل أنت وحيد ليس معك أحد فهديت بك الخلق ، وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد غيره وفيه بعد ، وأيضا يأباه النظم الكريم .

وعندي أن الضلال والهدى عامان في هذه الآية فيشملان كل نوع من أنواع الضلالة والهداية بيد الكفر والشرك لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .