لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ} (7)

{ ووجدك ضالا } أي عما أنت عليه اليوم { فهدى } أي فهداك إلى توحيده ونبوته ، وقيل وجدك ضالاً عن معالم النّبوة وأحكام الشّريعة ، فهداك إليها وقال ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير ، فرآه أبو جهل منصرفاً من أغنامه ، فرده إلى جده عبد المطلب ، وقال سعيد بن المسيب : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة مظلمة إذ جاء إبليس فأخذ بزمام ناقته ، فعدل به عن الطريق ، فجاء جبريل عليه السّلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى الحبشة ، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القافلة فمنّ الله عليه بذلك ، وقيل وجدك ضالاً نفسك لا تدري من أنت فعرفك نفسك وحالك ، وقيل ووجدك بين أهل الضّلال فعصمك من ذلك وهداك إلى الإيمان وإلى إرشادهم ، وقيل الضلال هنا بمعنى الحيرة وذلك لأنه كان صلى الله عليه وسلم يخلو في غار حراء في طلب ما يتوجه به إلى ربه حتى هداه الله لدينه ، وقال الجنيد : ووجدك متحيراً في بيان ما أنزل الله إليك ، فهداك لبيانه فهذا ما قيل في هذه الآية ولا يلتفت إلى قول من قال إنه صلى الله عليه وسلم كان قبل النّبوة على ملة قومه ، فهداه الله إلى الإسلام لأن نبينا صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الأنبياء قبله منذ ولدوا نشؤوا على التّوحيد ، والإيمان قبل النّبوة وبعدها ، وأنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بصفات الله تعالى وتوحيده ويدل على ذلك أن قريشاً لما عابوا النبي صلى الله عليه وسلم ورموه بكل عيب سوى الشّرك وأمر الجاهلية فإنهم لم يجدوا لهم عليه سبيلاً إذ لو كان فيه لما سكتوا عنه ولنقل ذلك فبرأه الله تعالى من جميع ما قالوه فيه وعيروه به . ويؤكد هذا ما روي في قصة بحير الرّاهب حين استحلف النبي صلى الله عليه وسلم باللاّت والعزى ، وذلك حين سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فرأى بحيرا علامة النّبوة فيه وهو صبي فاختبره بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئاً بغضهما " ، ويؤكد هذا شرح صدره صلى الله عليه وسلم في حال الصغر واستخراج العلقة منه وقول جبريل هذا حظ الشيطان منك وملؤه حكمة وإيماناً وقوله تعالى :{ ما ضل صاحبكم وما غوى }[ النجم : 2 ] وقال الزّمخشري : ومن قال كان على أمر قومه أربعين سنة فإن أراد أنه على خلوهم من العلوم السمعية ، فنعم وإن أراد أنه كان على دين قومه ، فمعاذ الله والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النّبوة وبعدها من الكبائر ، والصّغائر الشّائنة ، فما بال الكفر والجهل بالصّانع{ ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء } [ يوسف : 38 ] والله أعلم .