الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ} (7)

وقوله تعالى : { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فهدى } اخْتَلَفَ الناسُ في تأويلِهِ ، والضلالُ يَخْتَلِفُ ، فمنه البعيدُ ومنه القريبُ ؛ فالبعيدُ ضلالُ الكفَّارِ ، وهذا قَدْ عَصَمَ اللَّهُ منه نَبِيَّه فَلَمْ يَعْبُد صلى الله عليه وسلم صَنَماً قط ، ولا تَابعَ الكفارَ على شيءٍ مما هم عليه من الباطلِ ، وإنما ضلالُه صلى الله عليه وسلم هو كَوْنُهُ واقفاً لا يَميزُ المَهْيَعَ ، بل يُدْبِرُ وَيَنْظُر ، وقال الترمذي وعبد العزيز بن يحيى : { ضَالاًّ } معناه : خاملُ الذِّكْرِ لا يعرفُك الناسُ ؛ فهداهُم إليكَ ربُّك ، والصوابُ أنه ضلالُ مَنْ توَقَّفَ لا يَدْرِي ، كما قال عز وجل : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان } [ الشورى : 52 ] وقال الثعلبي : قال بعض المتكلمين : إذا وجَدَتِ العربُ شَجَرَةً مفردة في فلاةٍ سَمَوْها ضالةً فَيُهْتَدَي بها إلى الطريقِ ، أي : فَوَجَدْتُكَ وَحيداً ليس معَك نبيٌّ غيرَك فهديتُ بك الخلقَ إليَّ ، انتهى . قال عياض : وقال الجنيد : المَعْنَى : وَوَجَدَكَ متحيِّراً في بيانِ ما أُنْزِلَ إليكَ فهَدَاكَ لبيانِه ، لقوله : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر } [ النحل : 44 ] الآية ، قال عياض : ولا أعلمُ أحداً من المفسرينَ قَال فيها ضالاًّ عَنْ الإيمانِ ، وكذلك في قصةِ موسى عليه السلام قوله : { فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين } [ الشعراء : 20 ] أي المخطئينَ ، وقال ابن عطاء : { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فهدى } أي : مُحِبًّا لمعرفتِي ، والضَّالُّ : المحِبُّ ، كما قال تعالى : { إِنَّكَ لَفِي ضلالك القديم } [ يوسف : 95 ] أي : محبَّتِكَ القديمةِ ، انتهى .