معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

قوله تعالى : { يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم } فرعون { وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

ثم ذكر - سبحانه - بنى إسرائيل بنعمه عليهم فقال : { يابني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } فرعون وجنده ، بأن أغرقناهم أمام أعينكم وأنتم تنظرون إليهم ، بعد أن كانوا يسومونكم سوء العذاب .

{ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن } أى : وواعدنا نبيكم موسى فى هذا المكان لإعطائه التوراة لهدايتكم وإصلاح شأنكم ، وهذا الوعد هو المشار إليه بقوله - تعالى - : { وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } قال صاحب الكشاف : ذكرهم النعمة فى نجاتهم وهلاك عدوهم ، وفيما واعد موسى من المناجاة بجانب الطور ، وكتب التوراة فى الألواح . وإنما عدى المواعدة إليهم لأنها لابستهم واتصلت بهم حيث كانت لنبيهم ونقبائهم ، وإليهم رجعت منافعها التى قام بها دينهم وشرعهم وفيما أفاض عليهم من سائر نعمه وأرزاقه .

وقال القرطبى ما ملخصه : وقوله : { جَانِبَ } نصب على المفعول الثانى لقوله واعدنا . .

و { الطور الأيمن } نصب لأنه نعت للجانب ، إذ ليس للجبل يمين ولا شمال .

وتقدير الآية : وواعدناكم إتيان جانب الطور ثم حذف المضاف . أى : أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه ليكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام وقيل : وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتى جانب الطور الأيمن فيؤتيه التوراة ، فالوعد كان لموسى ، ولكن خوطبوا به لأن الوعد كان لأجلهم .

.

وقوله : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى } نعمة ثالثة من نعمه - سبحانه - عليهم .

والمن : مادة حلوة لزجة تشبه العسل كانت تسقط على الشجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .

والسلوى : طائر لذيذ الطعم ، يشبه الطائر الذى يسمى السمانى ، كانوا يأخذونه ويتلذذون بأكله .

وقيل : هما كناية عما أنعم الله به عليهم ، وهما شىء واحد ، سمى أحدهما " منا " لامتنان الله - تعالى - عليهم ، وسمى الثانى " سلوى " لتسليتهم به .

أى : ونزلنا عليكم بفضلنا ورحمتنا وأنتم فى التيه تلك المنافع والخيرات التى تأخذونها من غير كد أو تعب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

وفي ظلال النصر والنجاة يتوجه الخطاب إلى الناجين بالتذكير والتحذير ، كي لا ينسوا ولا يبطروا ؛ ولا يتجردوا من السلاح الوحيد الذي كان لهم في المعركة فضمنوا به النصر والنجاح :

( يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ؛ وواعدناكم جانب الطور الأيمن ، ونزلنا عليكم المن والسلوى . كلوا من طيبات ما رزقناكم ، ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ، ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى . وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ) . .

لقد جازوا منطقة الخطر ، وانطلقوا ناجين ناحية الطور . وتركوا وراءهم فرعون وجنده غرقى : وإنجاؤهم من عدوهم واقع قريب يذكرونه اللحظة فلم يمض عليه كثير . ولكنه إعلان التسجيل . والتذكير بالنعمة المشهودة ليعرفوها ويشكروها .

ومواعدتهم جانب الطور الأيمن يشار إليها هنا على أنها أمر واقع ؛ وكانت مواعدة لموسى - عليه السلام - بعد خروجهم من مصر ، أن يأتي إلى الطور بعد أربعين ليلة يتهيأ فيها للقاء ربه ، ليسمع ما يوحى إليه في الألواح من أمور العقيدة والشريعة ، المنظمة لهذا الشعب الذي كتب له دورا يؤديه في الأرض المقدسة بعد الخروج من مصر .

وتنزيل المن . وهو مادة حلوة تتجمع على أوراق الشجر . والسلوى وهو طائر السماني يساق إليهم في الصحراء ، قريب المتناول سهل التناول ، كان نعمة من الله ومظهرا لعنايته بهم في الصحراء الجرداء . وهو يتولاهم حتى في طعامهم اليومي فييسره لهم من أقرب الموارد .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مّنْ عَدُوّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطّورِ الأيْمَنَ وَنَزّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ وَالسّلْوَىَ * كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىَ } .

يقول تعالى ذكره : فلما نجا موسى بقومه من البحر ، وغَشِيَ فرعون قومه من اليم ما غشيهم ، قلنا لقوم موسى : يَا بَنِي إسْرَائِيلَ قَدْ أنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ فرعون وَوَاعَدْناكُمْ جانِبَ الطّورِ الأيمَنَ وَنَزّلْنا عَلَيْكُمُ المَنّ والسّلْوَى . وقد ذكرنا كيف كانت مواعدة الله موسى وقومه جانب الطور الأيمن . وقد بيّنا المنّ والسلوى باختلاف المختلفين فيهما ، وذكرنا الشواهد على الصواب من القول في ذلك فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : " قَدْ أْنْجَيْناكُمْ " فكانت عامة قرّاء المدينة والبصرة يقرءونه : قَد أنْجَيْناكُمْ بالنون والألف وسائر الحروف الأخر معه كذلك ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : «قَدْ أنْجَيْتُكُمْ » بالتاء ، وكذلك سائر الحروف الأخر ، إلا قوله : " وَنَزّلْنا عَلَيْكُمُ المَنّ والسّلْوَى " فإنهم وافقوا الاَخرين في ذلك وقرءوه بالنون والألف .

والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان باتفاق المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء ذلك فمصيب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

ظاهر هذه الآية أن هذا القول قيل لبني إسرائيل حينئذ عند حلول هذه النعم التي عدد الله تعالى عليهم ، وبين خروجهم من البحر وبين هذه المقالة مدة وحوادث ولكن يخص الله تعالى بالذكر ما يشاء من ذلك . ويحتمل أن تكون هذه المقالة خوطب بها معاصرو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المعنى هذا فعلنا بأسلافكم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

هذه الجمل معترضة في أثناء القصة مثل ما تقدم آنفاً في قوله تعالى : { إنه من يأت ربه مجرماً } الآية . وهذا خطاب لليهود الذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تذكيراً لهم بنعم أخرى .

وقُدّمت عليها النعمة العظيمة ، وهي خلاصهم من استعباد الكفرة .

وقرأ الجمهور { قد أنجيناكم وواعدناكم بنون العظمة . وقرأهما حمزة ، والكسائي ، وخلف قد أنجيتكم ووعدتكم بتاء المتكلّم .

وذكّرهم بنعمة نزول الشريعة وهو ما أشار إليه قوله { وواعدناكم جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ } . والمواعدة : اتّعاد من جانبين ، أي أمرنا موسى بالحضور للمناجاة فذلك وعد من جانب الله بالمناجاة ، وامتثالُ موسى لذلك وعدٌ من جانبه ، فتم معنى المواعدة ، كما قال تعالى في سورة البقرة ( 52 ) : { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة } .

ويظهر أنّ الآية تشير إلى ما جاء في الإصحاح 19 من سفر الخروج : في الشهر الثالث بعد خروج بني إسرائيل من أرض مصر جاءوا إلى برّية سيناء هنالك نزل إسرائيل مقابل الجبل . وأما موسى فصعد إلى الله فناداه الربّ من الجبل قائلاً : هكذا نقول لبيت يعقوب أنتم رأيتم ما صنعت بالمصريين وأنا حملتكم على أجنحة النّسور ، إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة . . . إلخ .

وذكر الطور تقدم في سورة البقرة .

وجانب الطور : سفحه . ووصفه بالأيمن باعتبار جهة الشخص المستقبل مشرقَ الشمس ، وإلاّ فليس للجبل يمين وشمال معيّنان ، وإنما تعرَّف بمعرفة أصل الجهات وهو مطلع الشمس ، فهو الجانب القبلي باصطلاحنا . وجُعل محلّ المواعدة الجانب القبلي وليس هو من الجانب الغربي الذي في سورة القصص ( 30 ) : { فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة } وقال فيها { وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر } [ القصص : 44 ] فهو جانب غربي ، أي من جهة مغرب الشمس من الجبل ، وهو الذي آنس موسى منه ناراً .

وانتصب { جَانِبَ الطُّورِ } على الظرفية المكانية لأنّه لاتساعه بمنزلة المكان المبهم .

ومفعول المواعدة محذوف ، تقديره : المناجاة .

وتعدية { واعدناكم } إلى ضمير جماعة بني إسرائيل وإن كانت مواعدة لموسى ومن معه الذين اختارهم من قومه باعتبار أنّ المقصد من المواعدة وحي أصول الشريعة التي تصير صلاحاً للأمّة فكانت المواعدة مع أولئك كالمواعدة مع جميع الأمّة .

وقرأ الجميع { ونزَّلنا عليكم } الخ ؛ فباعتبار قراءة حمزة ، والكسائي ، وخلف قد أنجيتكم وواعدتكم بتاء المفرد تكون قراءة وأنزلنا بنون العظمة قريباً من الالتفات وليس عينه ، لأن نون العظمة تساوي تاء المتكلّم .

والسلوَى تقدم في سورة البقرة . وكان ذلك في نصف الشهر الثاني من خروجهم من مصر كما في الإصحاح 16 من سفر الخروج .