مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

قوله تعالى :{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى ، كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ، وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى }

اعلم أنه تعالى لما أنعم على قوم موسى عليه السلام بأنواع النعم ذكرهم إياها ولا شك أن إزالة المضرة يجب أن تكون متقدمة على إيصال المنفعة ولا شك أن إيصال المنفعة الدينية أعظم في كونه نعمة من إيصال المنفعة الدنيوية ، فلهذا بدأ الله تعالى بقوله : { أنجيناكم من عدوكم } وهو إشارة إلى إزالة الضرر فإن فرعون كان ينزل بهم من أنواع الظلم كثيرا من القتل والإذلال والإخراج والإتعاب في الأعمال ، ثم ثنى بذكر المنفعة الدينية وهي قوله : { وواعدناكم جانب الطور الأيمن } ووجه المنفعة فيه أنه أنزل في ذلك الوقت عليهم كتابا فيه بيان دينهم وشرح شريعتهم ثم ثلث بذكر المنفعة الدنيوية وهي قوله : { ونزلنا عليكم المن والسلوى * كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم زجرهم عن العصيان بقوله : { ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي } ثم بين أن من عصى ثم تاب كان مقبولا عند الله بقوله : { وإني لغفار لمن تاب } وهذا بيان المقصود من الآية ثم ههنا مسائل :

المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي قد أنجيتكم ووعدتكم إلى قوله : { من طيبات ما رزقناكم } كلها بالتاء إلا قوله : { ونزلنا عليكم المن والسلوى } فإنها بالنون وقرأ الباقون كلها بالنون وقرأ نافع وعاصم وواعدناكم وقرأ حمزة والكسائي وواعدتكم .

المسألة الثانية : قال الكلبي : لما جاوز موسى عليه السلام ببني إسرائيل البحر قالوا له : أليس وعدتنا أن تأتينا من ربنا بكتاب فيه الفرائض والأحكام . قال بلى ، ثم تعجل موسى إلى ربه ليأتيهم بالكتاب ووعدهم أن يأتيهم إلى أربعين ليلة من يوم انطلق ، وإنما قال : { وواعدناكم } لأنه إنما واعد موسى أن يؤتيه التوراة لأجلهم وقال مقاتل : إنما قال : واعدناكم لأن الخطاب له وللسبعين المختارة ، والله أعلم .

المسألة الثالثة : قال المفسرون : ليس للجبل يمين ولا يسار بل المراد أن طور سيناء عن يمين من انطلق من مصر إلى الشام وقرئ الأيمن بالجر على الجوار نحو حجر ضب خرب وانتفاع القوم بذلك إما لأن الله تعالى أنزل التوراة عليهم وفيها شرح دينهم ، وإما لأن الله تعالى لما كلم موسى على الطور حصل للقوم بسبب ذلك شرف عظيم .