فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

{ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم } ذكر سبحانه ما أنعم به على بني إسرائيل بعد إنجائهم ، وفي هذا الترتيب غاية الحسن حيث قدم تذكير نعمة الإنجاء ثم النعمة الدينية ثم الدنيوية والتقدير : قلنا لهم بعد إنجائهم يا بني إسرائيل ويجوز أن يكون خطابا لليهود المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم لأن النعمة على الآباء معدودة من النعم على الأبناء ، والمراد بعدوهم هنا فرعون وجنوده ، وذلك بإغراقه وإغراق قومه في البحر بمرأى من بني إسرائيل .

{ وواعدناكم جانب الطور الأيمن } انتصاب جانب على أنه مفعول به لا على الظرفية لأنه مكان معين غير مبهم ، وإنما تنتصب الأمكنة على الظرفية إذا كانت مبهمة ، قال مكي : وهذا أصل لا خلاف فيه .

قال النحاس : والمعنى أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه لنكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام ، وقيل وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور فالوعد كان لموسى وإنما خوطبوا به لأن الوعد كان لأجلهم فهو من المجاز العقلي .

وقرئ { ووعدناكم } لأن الوعد إنما هو من الله لموسى خاصة والمواعدة لا تكون إلا من اثنين ، وقد قدمنا في البقرة هذا المعنى ، والأيمن صفة للجانب ، والمراد يمين الشخص لأن الجبل ليس له يمين ولا شمال ، فإذا قيل خذ عن يمين الجبل فمعناه عن يمينك من الجبل .

{ ونزلنا عليكم } أي في التيه { المن والسلوى } قد تقدم تفسير المن بالترنجبين والسلوى بالسمان وأوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه ، وقال أبو السعود : المن هو شيء حلو أبيض مثل الثلج كان ينزل من الفجر إلى طلوع الشمس لكل إنسان صاع ويبعث الريح الجنوب عليهم السماني فيذبح الرجل منهم ما يكفيه .