فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

{ يا بني إسرائيل قَدْ أنجيناكم منْ عَدُوّكُمْ } ذكر سبحانه ما أنعم به على بني إسرائيل بعد إنجائهم ، والتقدير قلنا لهم بعد إنجائهم : { يا بني إسرائيل } ويجوز أن يكون خطاباً لليهود المعاصرين لنبينا صلى الله عليه وسلم ؛ لأن النعمة على الآباء معدودة من النعم على الأبناء . والمراد بعدوّهم هنا : فرعون وجنوده ، وذلك بإغراقه وإغراق قومه في البحر بمرأى من بني إسرائيل . { وواعدناكم جَانِبَ الطور الأيمن } انتصاب { جانب } على أنه مفعول به ، لا على الظرفية ؛ لأنه مكان معين غير مبهم ، وإنما تنتصب الأمكنة على الظرفية إذا كانت مبهمة . قال مكي : وهذا أصل لا خلاف فيه . قال النحاس : والمعنى أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه لنكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام . وقيل : وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور ، فالوعد كان لموسى ، وإنما خوطبوا به ؛ لأن الوعد كان لأجلهم . وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب : «ووعدناكم » بغير ألف ، واختاره أبو عبيدة ؛ لأن الوعد إنما هو من الله لموسى خاصة والمواعدة لا تكون إلا من اثنين ، وقد قدّمنا في البقرة هذا المعنى . و{ الأيمن } منصوب على أنه صفة للجانب ، والمراد : يمين الشخص ؛ لأن الجبل ليس له يمين ولا شمال ، فإذا قيل : خذ عن يمين الجبل [ فمعناه ] : عن يمينك من الجبل . وقرئ بجرّ الأيمن على أنه صفة للمضاف إليه { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى } قد تقدّم تفسير المنّ بالترنجبين والسلوى بالسماني وأوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه ، وإنزال ذلك عليهم كان في التيه .

/خ91