اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلۡأَيۡمَنَ وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰ} (80)

قوله تعالى : { يا بني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ }{[25965]} الآية .

قرأ الأخوان " قَدْ أَنْجَيْتُكُمْ " {[25966]} و " وَاعَدتُكُمْ " و " رَزَقْتُكُمْ " بتاء المتكلم . والباقون : " أنْجَيْنَاكُمْ " و " وَاعَدْنَاكُمْ " و " رَزَقْنَاكُمْ " بنون العظمة{[25967]} واتفقوا على " ونَزَّلْنَا " وتقدم خلاف أبي عمرو في{[25968]} " وَعَدْنَا " {[25969]} في البقرة{[25970]} .

وقرأ حميد " نَجَِّيْنَاكُم " بالتشديد{[25971]} . وقرئ{[25972]} " الأيْمَنِ " بالجر{[25973]} . قال الزمخشري : خفض على الجوار كقولهم : جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ{[25974]} .

وجعله أبو حيان : شاذاً ضعيفاً{[25975]} ، وخرَّجه على أنَّه نعت " الطُّورِ " .

قال : وصف به{[25976]} لما فيه من اليُمْنِ ، أو لكونه على يَمِينِ من{[25977]} يستقبل الجبل{[25978]} و " جَانِبَ " مفعول ثان على حذف مضاف ، أي إتيان جانب . ولا يجوز أن يكون المفعول الثاني محذوفاًً{[25979]} ، " وجَانِبَ " ظرف للوعد ، والتقدير : وواعدناكم التوراة في هذا المكان ، لأنه ظرف مكان مختص لا يصل إليه الفعل بنفسه{[25980]} ، وكما لو قيل : إنه تُوُسِّع في هذا الظرف فجعل مفعولاً به : أي جعل نفس الموعود{[25981]} نحو : سير عليه فرسخَان وبريدان{[25982]} . قوله : { فَيَحِلَّ } قرأ{[25983]} العامة فَيَحِل بكسر الحاء واللام من " يَحْلِلْْ " . والكسائي بضمهما{[25984]} .

وابن عيينة وافق العامة في الحاء ، والكسائي في اللام{[25985]} . فالعامة{[25986]} من حَلَّ عليه كذا ، أي : وَجَبَ ، من حَلَّ الدَّيْنُ يَحِلُّ ، أي : وجب قضاؤه{[25987]} ، ومنه قوله : { حتى يَبْلُغَ الهدي مَحِلَّهُ }{[25988]} ، ومنه أيضاً : { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }{[25989]} .

وقرأ الكسائي من حَلَّ يَحُلُّ ، أي نزل{[25990]} ، ومنه { أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ }{[25991]} والمشهور أن فاعل " يَحِلُّ " في القراءتين هو " غَضَبِي " وقال صاحب اللوامح{[25992]} : إنه مفعول به وأن الفاعل ترك لشهرته والتقدير : فيحل عليكم طُغْيَانِكُمْ غَضَبِي ، ودل على ذلك " وَلاَ تَطْغَوْا " ولا يجوز{[25993]} أن يسند إلى " غَضِبِي " فيصير في موضع رفع{[25994]} بفعله . ثم قال : وقد يحذف المفعول للدليل{[25995]} عليه وهو العذاب ونحوه{[25996]} قال شهاب الدين : فعندَه أنَّ حَلَّ متعد بنفسه ، لأنه من الإحلال كما صرح هو به{[25997]} ، وإذا كان من الإحلال تعدَّى لواحدِ ، وذلك المتعدي إليه إما " غَضَبِي " ( على أن الفاعل ){[25998]} ضمير{[25999]} عائد على الطغيان كما قدَّره ، وإما محذوفٌ والفاعل {[26000]} " غَضَبِي " ، وفي عبارته قلق{[26001]} . وقرأ طلحة " لاَ يَحِلَّنَّ عَلَيْكُمْ " بلا الناهية وكسر الحاء وفتح اللام من يحللن{[26002]} ونون التوكيد المشددة{[26003]} ، أي : لا تتعرضوا للطغيان فيحق عليكم غضبي ، وهو من باب لا أَرَينَّكَ هاهنا{[26004]} .

وقرأ زيد بن علي " وَلاَ تَطْغُوْا " بضم الغين{[26005]} من طغى يطغو كغَزَا يَغْزُو{[26006]} .

وقوله : " فَيَحِلُّ " يجوز أن يكون مجزوماً عطفاً على " لاَ تَطْغَوْا " كذا قل أبو البقاء{[26007]} . وفيه نظر ، إذ المعنى ليس على نهي الغضب أن يَحِلَّ بهم .

والثاني : أنه منصوب بإضمار ( أَنْ ) في جواب النهي ، وهو{[26008]} واضح{[26009]} .

فصل

اعلم أن الله تعالى لمَّا أنعم على قوم موسى -عليه السلام{[26010]}- بأنواع النعم ذكرهم ، ولا شك أنَّ إزالة الضرر يجب تقديمه على إيصال المنفعة ، وإيصال المنفعة الدينية أعظم من إيصال المنفعة الدنيوية ، فلهذا بدأ تعالى بإزالة الضرر بقوله : { أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } ، فإن فرعون كان يُنْزِل بهم أنواع الظلم ، والإذلال ، والأعمال الشاقة . ثم ذكر المنفعة الدينية وهي قوله : { وَوَاعَدْنَاكُمْ{[26011]} جَانِبَ الطور الأيمن } وذلك أنه أنزل عليهم في ذلك الوقت{[26012]} كتاباً فيه بيان دينهم وشريعتهم ، أو لأنهم حصل لهم شرف بسبب ذلك{[26013]} .

قال المفسرون{[26014]} : وليس للجبل يمينٌ ولا يسار بل المراد أنَّ طور سيناء عن{[26015]} يمين السالك من مصر{[26016]} إلى الشام{[26017]} . ثم ثلَّث بذكر{[26018]} المنفعة الدنيوية فقال : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى }


[25965]:في ب: ووعدتكم.
[25966]:في ب: قد أنجيناكم.
[25967]:السبعة (422)، الحجة لابن خالويه (245)، الكشف 2/103، 2/321، الإتحاف (306).
[25968]:في ب: وفي.
[25969]:في ب: واعدنا.
[25970]:من قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده، وأنتم ظالمون} [البقرة: 51].
[25971]:انظر البحر المحيط 6/265.
[25972]:في ب: وقراء. وهو تحريف.
[25973]:انظر الكشاف 2/442، البحر المحيط 6/265.
[25974]:هذا هو المسمى بالإعراب على الجوار، وقد وضحه ابن هشام بقوله: أن يعطى الشيء حكم الشيء إذا جاوروه كقول بعضهم: هذا حجر ضبِّ خرب بالجر، وذكر أمثلة أخرى شعرية وقرآنية، ثم قال: والذي عليه المحققون أن خفض الجوار يكون في النعت قليلا، وفي التوكيد نادرا. (ينظر المغني 2/682 – 683) وانظر الكشاف 2/442.
[25975]:سبق إلى هذا القول أبا حيان السيرافي وابن جني حيث أنكرا الخفض على الجوار، وقالا في المثال السابق: إن (خرب) صفة نصب على أن الأصل هذا حجر ضبّ خرب حجره، ثم أنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر. قال ابن هشام: ويلزمهما استتار الضمير مع جريان الصفة على غير من هي له وذلك لا يجوز عند البصريين وإن أمن اللبس. انظر المغني 2/682 – 683.
[25976]:في ب: بذلك.
[25977]:من: سقط من ب.
[25978]:البحر المحيط 6/265.
[25979]:في ب: مرفوعا. وهو تحريف.
[25980]:هذا بناء على ما ذهبوا إليه من أنه لا ينصب على الظرفية من أسماء المكان إلا ما كان مبهما كأسماء الجهات وناحية وجانب ومكان. وما كان مشتقا من اسم الحدث المشتق من الفعل، وهو ما يعرف بالمصدر الميمي. ويرى كثير من النحاة ومنهم الرضي استثناء (جانب) من المبهم وما في معناه كجهة، ووجه، وكنف، وجوف البيت، وخارج الدار، وداخلها.... فيمتنع نصبها على الظرفية المكانية لعدم إبهامها، ويوجب جرها بالحرف (في) صريحا، وعلى ذلك لا يجوز نصب جانب على الظرفية لأنه مختص. انظر شرح الكافية 1/184، شرح التصريح 1/341. وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن 2/75، 2/151، التبيان 2/899.
[25981]:في ب: أي جعل نفس المخفوض وهو الموعود.
[25982]:لأن الفرسخ والبريد من أسماء المقادير وهي شبيهة بالمبهم فنصب على الظرفية، فيجوز أن يسند إليه الفعل في الاتساع. بخلاف (جانب) لأنه ظرف مختص، فلا يجوز نصبه على الظرفية بل يجب جره بـ (في) صريحا.
[25983]:في ب: ليحل قراءة. وهو تحريف.
[25984]:السبعة (422)، الحجة لابن خالويه (245)، الكشف 2/103، النشر 2/321 الإتحاف (306).
[25985]:انظر البحر المحيط 6/265.
[25986]:في الأصل: فقراءة.
[25987]:أي أنهم بنوه على فعل يفعل، وهي لغة مسموعة، حكى أبو زيد: حلّ عليه أمر الله يحلّ. الكشف 2/103. وقال ابن منظور: وإذا قلت: المحل بكسر الحاء فهو من حلّ يحلّ أي وجب يجب. اللسان (حلل).
[25988]:[البقرة: 196].
[25989]:[هود: 39]. [الزمر: 40].
[25990]:أي أنه بناه على فعل يفعل جعله بمنزلة ما يحل في مكان، حكى أبو زيد وغيره: حلّ في المكان يحلّ حلولا ومحلاّ وحللا بفك التضعيف نادر وذلك نزول القوم بمحلّة، وهو نقيض الارتحال. اللسان (حلل).
[25991]:[الرعد: 31].
[25992]:قال ذلك توجيها لقراءة قتادة وابن وثاب والأعمش "فيحلّ" بضم الياء وكسر الحاء. انظر البحر المحيط 6/265.
[25993]:في البحر المحيط: وقد يجوز.
[25994]:رفع: سقط من ب.
[25995]:في ب: لدليل.
[25996]:انظر البحر المحيط 6/265.
[25997]:لأنه قال قبل قوله: إنه مفعول به: (فيحلّ بضم الياء وكسر الحاء من الإحلال فهو متعد من حلّ بنفسه والفاعل فيه مقدر ترك لشهرته..) البحر المحيط 6/265.
[25998]:ما بين القوسين سقط من ب.
[25999]:في ب: لأن الضمير. وهو تحريف.
[26000]:في ب: والفاعل على. وهو تحريف.
[26001]:الدر المصون 5/35. والقلق الذي في عبارة صاحب اللوامح هو قوله: (وقد يحذف المفعول للدليل عليه وهو العذاب ونحوه) فمعنى هذا أنّ (غضبي) فاعل (يحلّ) والمفعول محذوف، فكلامه هذا يتعارض مع قوله: ولا يجوز أن يسند إلى "غضبي" فيصير في موضع رفع بفعله. وفي البحر المحيط : "وقد يجوز" وهو ما يزيل القلق الذي رآه شهاب الدين انظر البحر المحيط 6/265.
[26002]:تقدم.
[26003]:البحر المحيط 6/265.
[26004]:تقدم.
[26005]:انظر البحر المحيط 6/265.
[26006]:أي أنّ أصل لامه واو، قال ابن منظور: الأزهري: الليث: الطغيان والطغوان لغة فيه، والطغوى بالفتح مثله. والفعل طغوت وطغيت، والاسم الطغوى، ابن سيده: طغى يطغى طغيا ويطغو طغيانا جاوز الحد وارتفع وعلا في الكفر. اللسان (طغى).
[26007]:فيكون نهيا. انظر التبيان 2/899.
[26008]:في ب: هو. وهو تحريف.
[26009]:فالنصب بـ "أن" مضمرة بعد الفاء الواقعة في جواب النهي. ويرى الكوفيون أنّ النصب بالفاء نفسها. الإنصاف 2/557.
[26010]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[26011]:في النسختين: "وعدناكم".
[26012]:في النسختين القرب. وما أثبته هو الصواب.
[26013]:انظر الفخر الرازي 22/95.
[26014]:في ب: قال بعض المفسرون.
[26015]:في ب: من. وهو تحريف.
[26016]:في ب: من أرض مصر.
[26017]:انظر الفخر الرازي 22/95 – 96.
[26018]:في الأصل: ذكر. وهو تحريف.