معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

ثم ذكروا أنهم كانوا يسخرون من هؤلاء فقالوا : { أتخذناهم سخرياً } قرأ أهل البصرة ، وحمزة ، والكسائي : من الأشرار اتخذناهم ، وصل ويكسرون الألف عند الابتداء ، وقرأ الآخرون بقطع الألف وفتحها على الاستفهام . قال أهل المعاني : القراءة الأولى أولى ، لأنهم علموا أنهم اتخذوهم سخرياً فلا يستقيم الاستفهام ، وتكون ( ( أم ) ) على هذه القراءة بمعنى ( ( بل ) ) ، ومن فتح الألف قال : هو على اللفظ لا على المعنى ليعادل ( ( أم ) ) في قوله : { أم زاغت عنهم الأبصار } قال الفراء : هذا من الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتعجب ، { أم زاغت } ، أي : مالت ، { عنهم الأبصار } ، ومجاز الآية : ما لنا لا نرى هؤلاء الذين اتخذناهم سخرياً لم يدخلوا معنا النار ، أم دخلوها فزاغت عنهم أبصارنا ، فلم نرهم حين دخلوها . وقيل : أم هم في النار ولكن احتجبوا عن أبصارنا ، وقال ابن كيسان : أم كانوا خيراً منا ولكن نحن لا نعلم ، فكانت أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدهم شيئاً .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

حكى القرآن ما سأله هؤلاء المشركون لأنفسهم عندما تلفتوا فى النار ، فلم يجدوا أحداً من المؤمنين الذين كانوا يصفونهم بأنهم من الأشرار فقال : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار } .

أى : إنهم بعد أن دخلوا النار أخذوا يدورون بأعينهم فيها فلم يروا المؤمنين الذين كانوا يستهزئون بهم فى الدنيا ، فقالوا فيما بينهم : ما بالنا لا نرى الرجال الذين كنا نسخر منهم فى الدنيا ، ألم يدخلوا معنا النار ؟ أم دخلوها ولكن أبصارنا لا تراهم وزاغت عنهم ؟

فهم يتحسرون على أحوالهم البائسة بعد أن وجدوا أنفسهم فى النار ، وليس معهم من كانوا يسخرون منهم فى الدنيا وهم فقراء المؤمنين .

قال صاحب الكشاف : قوله : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً } قرئ بلفظ الإِخبار على أنه صفة للقوله { رجالا } مثل قوله { كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار } وقرئ بهمزة الاستفهام على أنه إنكار على أنفسهم وتأنيب لها فى الاستسخار منهم .

وقوله : { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار } له وجهان من الاتصال : أحدهما : أن يتصل بقوله : { مالنا } أى : مالنا لا نراهم فى النار ؟ كأنهم ليسوا فيها ، بل أزاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم وهم فيها ؟ قسموا أمرهم بين أن يكونوا من أهل الجنة وبين أن يكونوا من أهل النار إلا أنهم خفى عليهم مكانهم .

الوجه الثانى : أن يتصل بقوله : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً . . } على معنى أى الفعلين فعلنا بهم : الاستسخار منهم ، أم الازدراء بهم والتحقير ، وأن أبصارنا كانت تعلو عنهم وتقتحمهم ، على معنى إنكار الأمرين جميعاً على أنفسهم . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

ثم ماذا ? ثم ها هم أولاء يفتقدون المؤمنين ، الذين كانوا يتعالون عليهم في الدنيا ، ويظنون بهم شراً ، ويسخرون من دعواهم في النعيم . ها هم أولاء يفتقدونهم فلا يرونهم معهم مقتحمين في النار ، فيتساءلون : أين هم ? أين ذهبوا ? أم تراهم هنا ولكن زاغت عنهم أبصارنا ? : وقالوا : ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخرياً ? أم زاغت عنهم الأبصار ? . . بينما هؤلاء الرجال الذين يتساءلون عنهم هناك في الجنان !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

وقوله : ( أتّخَذْناهُمْ سِخْرِياّ ) : اختلفت القرّاء في قراءته ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والشام وبعض قرّاء الكوفة : أتّخَذْناهُمْ بفتح الألف من أتخذناهم ، وقطعها على وجه الاستفهام ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة ، وبعض قرّاء مكة بوصل الألف من الأشرار : «اتّخَذْناهُمْ » . وقد بيّنا فيما مضى قبلُ ، أن كلّ استفهام كان بمعنى التعجب والتوبيخ ، فإن العرب تستفهم فيه أحيانا ، وتُخرجه على وجه الخبر أحيانا .

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالوصل على غير وجه الاستفهام ، لتقدّم الاستفهام قبلَ ذلك في قوله : ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنّا فيصير قوله : «اتّخَذْناهُمْ » بالخبر أولى وإن كان للاستفهام وجه مفهوم لما وصفتُ قبلُ من أنه بمعنى التعجب .

وإذ كان الصواب من القراءة في ذلك ما اخترنا لما وصفنا ، فمعنى الكلام : وقال الطاغون : ما لنا لا نرى سَلْمان وبِلالاً وخَبّابا الذين كنّا نعدّهم في الدنيا أشرارا ، اتخذناهم فيها سُخريا نهزأ بهم فيها معنا اليوم في النار ؟ .

وكان بعض أهل العلم بالعربية من أهل البصرة يقول : من كسر السين من السّخْرِي ، فإنه يريد به الهُزء ، يريد يسخر به ، ومن ضمها فإنه يجعله من السّخْرَة ، يستسخِرونهم : يستذِلّونهم ، أزاغت عنهم أبصارنا وهم معنا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : ( أتّخَذْناهُمْ سِخْرِيّا أمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبْصَارُ ) يقول : أهم في النار لا نعرف مكانهم ؟ .

وحُدثت عن المحاربيّ ، عن جَوَيبر ، عن الضحاك وَقالُوا ما لَنا لا نَرىَ رِجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ قال : هم قوم كانوا يسخَرون من محمد وأصحابه ، فانطُلِق به وبأصحابه إلى الجنة وذُهِبَ بهم إلى النار فقالُوا : ( ما لَنا لا نَرَى رِجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأشْرارِ أَتّخَذْناهُمْ سِخْريّا أمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأبْصارُ ) . يقولون : أزاغت أبصارنا عنهم فلا ندري أين هم ؟ .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( أَتّخَذْناهُمْ سِخْريّا ) قال : أخطأناهم أمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأبْصَارُ ولا نراهم ؟ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وَقالُوا ما لَنا لا نَرَى رجالاً كُنّا نَعُدّهُمْ مِنَ الأشْرَارِ ) : قال : فقدوا أهل الجنة أَتّخَذْناهُمْ سِخْريّا في الدنيا أمْ زَاغَت عَنْهُمُ الأَبْصَارُ وهم معناه في النار .

وقوله : إنّ ذلكَ لَحَقّ يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي أخبرتكم أيها الناس من الخبر عن تراجع أهل النار ، ولعْن بعضهم بعضا ، ودعاء بعضهم على بعض في النار لحقّ يقين ، فلا تشكّوا في ذلك ، ولكن استيقنوه تخاصم أهل النار . وقوله : تَخاصُمُ ردّ على قوله : لَحَقّ . ومعنى الكلام : إن تخاصم أهل النار الذي أخبرتكم به لحقّ .

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يوجه معنى قوله : ( أمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأبْصَارُ ) إلى : بل زاغت عنهم .