معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (76)

قوله تعالى : { ولقد أخذناهم بالعذاب } وذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف ، فأصابهم القحط ، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أنشدك الله والرحم ، ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ فقال : بلى ، فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فادع الله أن يكشف عنا هذا القحط ، فدعا فكشف عنهم ، فأنزل الله هذه الآية : { فما استكانوا لربهم } أي : ما خضعوا وما ذلوا لربهم ، وأصله طلب السكون ، { وما يتضرعون } أي : لم يتضرعوا إلى ربهم بل مضوا على تمردهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (76)

وقوله - سبحانه - : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالعذاب فَمَا استكانوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } مؤكد لما قبله من وصف هؤلاء المشركين بالجحود والعناد .

والمراد بالعذاب هنا : العذاب الدنيوى كالجوع والقحط والمصائب .

والاستكانة : الانتقال من كون إلى كون ومن حال إلى حال . ثم غلب استعمال هذه الكلمة فى الانتقال من حال التكبر والغرور إلى حال التذلل والخضوع .

أى : ولقد أخذنا هؤلاء الطغاة ، بالعذاب الشديد ، كالفقر ، والمصائب والأمراض فما خضعوا لربهم - عز وجل - وما انقادوا له وأطاعوه ، وما تضرعوا إليه - سبحانه - بالدعاء الخالص لوجهه الكريم ، لكى يكشف عنهم - عز وجل - ما نزل بهم من ضر .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (76)

53

هؤلاء الذين لايؤمنون بالآخرة ، والذين تنكبوا الطريق ، لا يفيدهم الابتلاء بالنعمة ، ولا الابتلاء بالنقمة . فإن أصابتهم النعمة حسبوا : ( أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات )وإن أصابتهم النقمة لم تلن قلوبهم ، ولم تستيقظ ضمائرهم ، ولم يرجعوا إلى الله يتضرعون له ليكشف عنهم الضر ، ويظلون كذلك حتى يأتيهم العذاب الشديد يوم القيامة فإذا هم حائرون يائسون .

( ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون . ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون . حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون ) . .

وهذه صفة عامة لذلك الصنف من الناس ، القاسية قلوبهم ، الغافلين عن الله ، المكذبين بالآخرة ، ومنهم المشركون الذين كانوا يواجهون رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] .

والاستكانة والتضرع عند مس الضر دليل على الرجوع إلى الله ، والشعور بأنه الملجأ والملاذ . والقلب متى اتصل بالله على هذا النحو رق ولان ، واستيقظ وتذكر ، وكانت هذه الحساسية هي الحارس الواقي من الغفلة والزلل ، وأفاد من المحنة و انتفع بالبلاء . فأما حين يسدر في غيه ، ويعمه في ضلاله ، فهو ميؤوس منه لا يرجى له صلاح ، وهو متروك لعذاب الآخرة ، الذي يفاجئه ، فيسقط في يده ، ويبلس ويحتار ، وييأس من الخلاص .