التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (76)

{ ولقد أخذناهم بالعذاب } قيل : إن هذا العذاب هو الجوع بالقحط وأن الباب ذا العذاب الشديد المتوعد به بعد هذا يوم بدر ، وهذا مردود بأن العذاب الذي أصابهم إنما كان بعد بدر ، وقيل : إن العذاب الذي أخذهم هو يوم بدر ، والباب المتوعد به هو القحط ، وقيل : الباب ذو العذاب الشديد : عذاب الآخرة ، وهذا أرجح ، ولذلك وصفه بالشدة لأنه أشد من عذاب الدنيا ، وقال : { إذا هم فيه مبلسون } أي : يائسون من الخير ، وإنما يقع لهم اليأس في الآخرة كقوله : { ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون } [ الروم :12 ] .

{ فما استكانوا } أي : ما تذللوا لله عز وجل ، وقد تقدم الكلام على هذه الكلمة في آخر آل عمران .

{ وما يتضرعون } إن قيل : هلا قال : فما استكانوا وما تضرعوا ، أو فما يستكينون وما يتضرعون باتفاق الفعلين في الماضي أو في الاستقبال ؟ فالجواب : أن ما استكانوا عند العذاب الذي أصابهم ، وما يتضرعون حتى يفتح عليهم باب عذاب شديد فنفى الاستكانة فيما مضى ، ونفى التضرع في الحال والاستقبال .