اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (76)

قوله : { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بالعذاب } قال المفسرون : لما أسلم{[33221]} ثُمامة بن أثال الحنفي ، ولحق باليمامة ، ومنع المِيرَة{[33222]} عن أهل مكة ، ودَعَا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسف ، فأصابهم القحط حتى أكلوا العِلْهِز{[33223]} ، جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أنشدك الله والرحم ، ألَسْتَ تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ فقال : «بَلَى » . فقال : قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فادعُ الله يكشف عنا هذا القحط ، فدعا فكشف عنهم ، فأنزل الله هذه الآية{[33224]} . والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا . وقال الأصم : العذاب هو ما نالهم يوم بدر من القتل والأسر{[33225]} يعني أن ذلك مع شدة ما دعاهم إلى الإيمان .

وقيل : المراد من عُذِّبَ من الأمم الخالية . «فَمَا اسْتَكَانُوا » أي : مشركو العرب{[33226]} .

قوله : «فَمَا اسْتَكَانُوا » تقدم وزن ( استكان ) في آل عمران{[33227]} .

وجاء الأول ماضياً والثاني مضارعاً ، ولم يجيئا ماضيين ، ولا مضارعين ولا جاء الأول مضارعاً والثاني ماضياً ، لإفادة الماضي وجود الفعل وتحققه ، وهو بالاستكانة أليق ، بخلاف التضرع فإنه أخبر عنهم بنفي ذلك في الاستقبال وأما الاستكانة فقد توجد منهم .

وقال الزمخشري : فإن قلت : هَلاَّ قيل : وما تَضرّعوا ( أو ){[33228]} فما يستكينون .

قلت : لأنّ المعنى محنّاهم فما وجدت منهم عقيب المحنة استكانة ، وما مِنْ عادة هؤلاء أن يستكينوا ويتضرعوا حتى يفتح عليهم باب العذاب الشديد {[33229]} .

فظاهر هذا أنَّ ( حَتَّى ) غاية لنفي الاستكانة والتضرّع{[33230]} . ومعنى الاستكانة طلب السكون ، أي : ما خضعوا وما ذلوا إلى ربهم ، وما تضرعوا بل مضوا على تمرّدهم .


[33221]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/114 – 115.
[33222]:الميرة: الطعام يمتاره الإنسان. وقيل: جلب الطعام للبيع. اللسان (مير).
[33223]:العلهز: وبر يخلط بدماء الحلم كانت العرب في الجاهلية تأكله في الجدب. اللسان (علهز).
[33224]:انظر أسباب النزول للواحدي (232).
[33225]:في ب: والأسرا.
[33226]:آخر ما نقله هنا عن الرازي 23/114 – 115.
[33227]:عند قوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} [آل عمران: 146].
[33228]:أو: تكملة من الكشف.
[33229]:الكشاف: 3/53 – 54.
[33230]:والتضرع: سقط من ب.