مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (76)

قوله تعالى : { ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون } .

اختلفوا في قوله : { ولقد أخذناهم بالعذاب } على وجوه . أحدها : أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة منع الميرة عن أهل مكة فأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا الجلود والجيف ، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ، ثم قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع ، فادع الله يكشف عنا هذا القحط . فدعا فكشف عنهم فأنزل الله هذه الآية ، والمعنى أخذناهم بالجوع فما أطاعوا . وثانيها : هو الذي نالهم يوم بدر من القتل والأسر ، يعني أن ذلك مع شدته ما دعاهم إلى الإيمان عن الأصم . وثالثها : المراد من عذب من الأمم الخوالي { فما استكانوا } أي مشركي العرب لربهم عن الحسن . ورابعها : أن شدة الدنيا أقرب إلى المكلف من شدة الآخرة ، فإذا لم تؤثر فيهم شدة الدنيا فشدة الآخرة كذلك ، وهذا يدل على أنهم { لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } .