فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ أَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡعَذَابِ فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} (76)

{ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ } تأكيد للشرطية مسوق لتقريرها ، والعذاب قيل هو الجوع الذي أصابهم في سني القحط ، وقيل المرض وقيل القتل يوم بدر ، واختاره الزجاج . وقيل الموت ، وقيل المراد من أصابه العذاب من الأمم الخالية .

{ فَمَا اسْتَكَانُوا } أي ما خضعوا ولا تذللوا { لِرَبِّهِمْ } بل أقاموا على ما كانوا فيه من التمرد على الله والانهماك في معاصيه { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } أي وما يخشعون لله في الشدائد عند إصابتها لهم ولا يدعونه لرفع ذلك .

أخرج النسائي والطبراني والحاكم وصححه وغيرهم عن ابن عباس قال : جاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز " يعني الوبر بالدم ، فأنزل الله { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ } إلى آخر الآية{[1263]} ، وأصل الحديث في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريش حين استعصوا فقال : ( اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ) الحديث{[1264]} ، وأخرج البيهقي وغيره عن ابن عباس أن ابن أثال الحنفي لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أسير فخلى سبيله لحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز ، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أليس تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ قال : بلى قال : فلقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع " فأنزل الله هذه الآية .

وعن علي بن أبي طالب في الآية قال : " أي لم يتواضعوا في الدنيا ولم يخضعوا ولو خضعوا لله لاستجاب لهم " .


[1263]:المستدرك كتاب التفسير 2/394
[1264]:البخاري كتاب الدعوات باب 58 ـ الترمذي تفسير سورة 44/1.