{ وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب } إلى آخره فيكون الجوع مراداً من العذاب المذكور فيه على ذلك ، ولا يرد على من قال به قوله تعالى : { فَمَا استكانوا } فما خضعوا بذلك { لِرَبّهِمُ } لأن له أن يقول : المراد بالخضوع له عز وجل الانقياد لأمره سبحانه والإيمان به جل وعلا وما كان منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منه في شيء ، والمشهور أن المراد بالعذاب ما نالهم يوم بدر من القتل والأسر ، ولا يرد على من فسر العذاب في قوله سبحانه { حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بالعذاب } [ المؤمنون : 64 ] به أيضاً لزوم المنافاة بين ما هناك من قوله تعالى : { إذا هم يجأرون } [ المؤمنون : 64 ] وما هنا من نفي الاستكانة لربهم ونفي التضرع المستفاد من قوله سبحانه : { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } إذ له أن يقول : الجؤار مطلق الصراخ وهو غير الاستكانة لله عز وجل وغير التضرع إليه سبحانه وهو ظاهر ، وكذا إذا أريد بالجؤار الصراخ باستغاثة بناء على أن المراد بالاستكانة له تعالى ما علمت آنفاً من الانقياد لأمره عز وجل وأن التضرع ما كان عن صميم الفؤاد والجؤار ما لم يكن كذلك ، وكأن التعبير هناك بالجؤار للإشارة إلى أن استغاثتهم كانت أشبه شيء بأصوات الحيوانات ، وقيل : ما تقدم لبيان حال المقتولين وما هنا لبيان حال الباقين ، وعبر في التضرع بالمضارع ليفيد الدوام إلا أن المراد دوام النفي لا نفي الدوام أي وليس من عادتهم التضرع إليه تعالى أصلاً ، ولو حمل ذلك على نفي الدوام كما هو الظاهر لا يرد ما يتوهم من المنافاة بين قوله تعالى : { إذا هم يجأرون } [ المؤمنون : 64 ] وقوله سبحانه : { وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } أيضاً ، واستكان استفعل من الكون ، وأصل معناه انتقل من كون إلى كون كاستحجر ثم غلب العرف على استعماله في الانتقال من كون الكبر إلى كون الخضوع فلا إجمال فيه عرفا ، وقال أبو العباس أحمد بن فارس : سئلت عن ذلك في بغداد لما دخلتها زمن الإمام الناصر وجمع لي علماءها فقلت واستحسن مني : هو مشتق من قول العرب : كنت لك إذا خضعت وهي لغة هذيلية وقد نقلها أبو عبيدة في الغريبين وعليه يكون من باب قر واستقر ، ولا يجعل من استفعل المبني للمبالغة مثل استعصم واستحسر إلا أن يراد في الآية حينئذ المبالغة في النفي لا نفي المبالغة ، وقيل هو من الكين اللحمة المستبطنة في الفرج لذلة المستكين ، وجوز الزمخشري أن يكون افتعل من السكون والألف إشباع كما في قوله
: وأنت من الغوائل حين ترمي *** ومن ذم الرجال بمنتزاح
: أعوذ بالله من العقراب *** الشائلات عقد الأذناب
واعترض بأن الأشباع المذكور مخصوص بضرورة الشعر وبأنه لم يعهد كونه في جميع تصاريف الكلمة واستكان جميع تصاريفه كذلك فهو يدل على أنه ليس مما فيه اشباع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.