معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (17)

قوله تعالى : { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم } أي : بإسلامكم ، { بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان } وفي مصحف عبد الله { إذ هداكم للإيمان } { إن كنتم صادقين } إنكم مؤمنون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (17)

ثم أشار - تعالى - إلى نوع آخر من جفائهم وقلة إدراكهم فقال : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } .

والمن : تعداد النعم على الغير ، وهو مذموم من الخلق ، محمود من الله - تعالى - .

أى : هؤلاء الأعراب يعدون إيمانهم بك منة عليك ، ونعمة أسدوها إليك حيث قالوا لك : جئناك بالأموال والعيال ، وقاتلك الناس لوم نقاتلك . .

وقوله : { أَنْ أَسْلَمُواْ } فى موضع المفعول لقوله : { يَمُنُّونَ } لتضمينه معنى الاعتداء ، أو هو بتقدير حرف الجر فيكون المصدر منصوبا بنزع الخافض أو مجرورا بالحرف المقدر . أى : يمنون عليك بإِسلامهم .

ثم أمر الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يرد عليهم بما يدل على غفلتهم فقال : { قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ . . } .

أى : قل لهم لا تتفاخروا علىَّ بسبب إسلامكم ، لأن ثمرة هذا الإِسلام يعود نفعها عليكم لا علىّ .

ثم بين - سبحانه - أن المنة له وحده فقال : { بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ . . } .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - ليس الأمر كما زعمتم من أن إِسلامكم يعتبر منّهَّ علىَّ ، بل الحق أن الله - تعالى - هو الذى يمن عليكم أن أرشدكم إلى الإِيمان ، وهداكم إليه ، وبين لكم طريقه ، فادعيتم أ ، كم آمنتم مع أنكم لم تؤمنوا ولكنكم أسلمتم فقط .

قال صاحب الكشاف : وسياق هذه الآية فيه لطف ورشاقة ، وذلك أن الكائن من الأعاريب قد سماه الله إسلاما ، ونفى أن يكون - كما زعموا - إيمانا فلما منُّوا على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما كان منهم ، قال الله - تعالى - لرسوله : إن هؤلاء يعتدون عليك بما ليس جديرا بالاعتداد به .

ثم قال : بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه ، حيث هداكم للإِيمان - على ما زعمتم - وادعيتم أنكم أرشدتم إليه ، ووفقتم له إن صح زعمكم ، وصدقت دعواكم . . وفى إضافة الإِسلام عليهم ، وإيراد الإِيمان غير مضاف ، مالا يخفى على المتأمل . .

وجواب الشرط فى قوله : { إِنُ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } محذوف ، يدل عليه ما قبله . أى : إن كنتم صادقين فى إيمانكم فاعتقدوا ، أن المنة إنماه ى لله - تعالى - علينكم ، حيث أرشدكم إلى الطريق الموصل إلى الإِيمان الحق .

وشبيه فى المعنى بهبذه الآية قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - للأنصار فى إحدى خطبه :

" يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بى ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بى ، وكنتم عالة فأغناكم الله بى ؟ " وكان - صلى الله عليه وسلم - كلما قال شيئا ، قالوا : الله ورسوله أَمَنُّ .

والحق أن هداية الله - تعالى - لعبده إلى الإِيمان تعتبر منة منه - سبحانه - لا تدانيها منه ، ونعمة لا تقاربها نعمة ، وعطاء ساميا جليلا منه - تعالى - لا يساميه عطاء فله - عز وجل - الشكر الذى لا تحصيه عبارة على النعمة ، ونسأله - تعالى - أن يديمها علينا حتى نلقاه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (17)

وبعد بيان حقيقة الإيمان التي لم يدركوها ولم يبلغوها ، يتوجه إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بالخطاب عن منهم عليه بالإسلام ؛ وهذا المن ذاته دليل على أن حقيقة الإيمان لم تكن قد استقرت بعد في تلك القلوب ، وأن حلاوة الإيمان لم تكن بعد قد تذوقتها تلك الأرواح :

( يمنون عليك أن أسلموا . قل : لا تمنوا علي إسلامكم . بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان ، إن كنتم صادقين ) . .

لقد منوا بالإسلام ، وزعموا الإيمان . فجاءهم الرد أن لا يمنوا بالإسلام ، وأن المنة لله عليهم لو صدقوا في دعوى الإيمان .

ونحن نقف أمام هذا الرد ، الذي يتضمن حقيقة ضخمة ، يغفل عنها الكثيرون ، وقد يغفل عنها بعض المؤمنين . .

إن الإيمان هو كبرى المنن التي ينعم بها الله على عبد من عباده في الأرض . إنه أكبر من منة الوجود الذي يمنحه الله ابتداء لهذا العبد ؛ وسائر ما يتعلق بالوجود من آلاء الرزق والصحة والحياة والمتاع .

إنها المنة التي تجعل للوجود الإنساني حقيقة مميزة ؛ وتجعل له في نظام الكون دورا أصيلا عظيما .

وأول ما يصنعه الإيمان في الكائن البشري ، حين تستقر حقيقته في قلبه ، هو سعة تصوره لهذا الوجود ، ولارتباطه هو به ، ولدوره هو فيه ، وصحة تصوره للقيم والأشياء والأشخاص والأحداث من حوله ؛ وطمأنينته في رحلته على هذا الكوكب الأرضي حتى يلقى الله ، وأنسه بكل ما في الوجود حوله ، وأنسه بالله خالقه وخالق هذا الوجود ؛ وشعوره بقيمته وكرامته ؛ وإحساسه بأنه يملك أن يقوم بدور مرموق يرضى عنه الله ، ويحقق الخير لهذا الوجود كله بكل ما فيه وكل من فيه .

فمن سعة تصوره أن يخرج من نطاق ذاته المحدودة في الزمان والمكان ، الصغيرة الكيان ، الضئيلة القوة . إلى محيط هذا الوجود كله ، بما فيه من قوى مذخورة ، وأسرار مكنونة ؛ وانطلاق لا تقف دونه حدود ولا قيود في نهاية المطاف .

فهو ، بالقياس إلى جنسه ، فرد من إنسانية ، ترجع إلى أصل واحد . هذا الأصل اكتسب إنسانيته ابتداء من روح الله . من النفخة العلوية التي تصل هذا الكائن الطيني بالنور الإلهي . النور الطليق الذي لا تحصره سماء ولا أرض ولا بدء ولا انتهاء . فلا حد له في المكان ، ولا حد له في الزمان . وهذا العنصر الطليق هو الذي جعل من المخلوق البشري هذا الإنسان . . ويكفي أن يستقر هذا التصور في قلب إنسان ليرفعه في نظر نفسه ، وليكرمه في حسه ، وليشعره بالوضاءة والانطلاق ؛ وقدماه تدبان على الأرض ، وقلبه يرف بأجنحة النور إلى مصدر النور الأول الذي منحه هذا اللون من الحياة .

وهو ، بالقياس إلى الفئة التي ينتسب إليها ، فرد من الأمة المؤمنة . الأمة الواحدة ، الممتدة في شعاب الزمن ، السائرة في موكب كريم ، يقوده نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم من النبيين ، صلوات الله عليهم أجمعين . . ويكفي أن يستقر هذا التصور في قلب إنسان ، فيشعر أنه فرع من تلك الشجرة الطيبة الباسقة المتطاولة ، العميقة الجذور الممتدة الفروع ، المتصلة بالسماء في عمرها المديد . . يكفي أن يشعر الإنسان هذا الشعور ليجد للحياة طعما آخر ؛ وليحس بالحياة إحساسا جديدا ، وليضيف إلى حياته هذه حياة كريمة ، مستمدة من هذا النسب العريق .

ثم يتسع تصوره ويتسع حتى يتجاوز ذاته وأمته وجنسه الإنساني ؛ ويرى هذا الوجود كله . الوجود الصادر عن الله ، الذي عنه صدر ، ومن نفخة روحه صار إنسانا . ويعرفه إيمانه أن هذا الوجود كله كائن حي ، مؤلف من كائنات حية . وأن لكل شيء فيه روحا ، وأن لهذا الكون كله روحا . . وأن أرواح الأشياء ، وروح هذا الكون الكبير ، تتوجه إلى بارئها الأعلى - كما تتوجه روحه هو - بالدعاء والتسبيح ؛ وتستجيب له بالحمد والطاعة ، وتنتهي إليه بالإذعان والاستسلام . فإذا هو في كيان هذا الكون ، جزء من كل ، لا ينفصل ولا ينعزل . صادر عن بارئه ، متجه إليه بروحه راجع في النهاية إليه . وإذا هو أكبر من ذاته المحدودة . أكبر بقدر تصوره لضخامة هذا الوجود الهائل . وإذا هو مأنوس بكل ما حوله من أرواح . ومأنوس بعد ذلك كلهبروح الله التي ترعاه . وعندئذ يشعر أنه يملك أن يتصل بهذا الوجود كله ، وأن يمتد طولا وعرضا فيه ؛ وأنه يملك أن يصنع أشياء كثيرة ، وأن ينشيء أحداثا ضخمة ، وأن يؤثر بكل شيء ويتأثر . ثم يملك أن يستمد مباشرة من تلك القوة الكبرى التي برأته وبرأت كل ما في الوجود من قوى وطاقات . القوة الكبرى التي لا تنحسر ولا تضعف ولا تغيب .

ومن هذا التصور الواسع الرحيب يستمد موازين جديدة حقيقية للأشياء والأحداث والأشخاص والقيم والاهتمامات والغايات . ويرى دوره الحقيقي في هذا الوجود ، ومهمته الحقيقية في هذه الحياة . بوصفه قدرا من أقدار الله في الكون ، يوجهه ليحقق به ويحقق فيه ما يشاء . ويمضي في رحلته على هذا الكوكب ، ثابت الخطو ، مكشوف البصيرة ، مأنوس الضمير .

ومن هذه المعرفة لحقيقة الوجود حوله ، ولحقيقة الدور المقسوم له ، ولحقيقة الطاقة المهيأة له للقيام بهذا الدور . من هذه المعرفة يستمد الطمأنينة والسكينة والارتياح لما يجري حوله ، ولما يقع له . فهو يعرف من أين جاء ? ولماذا جاء ? وإلى أين يذهب ? وماذا هو واجد هناك ? وقد علم أنه هنا لأمر ، وأن كل ما يقع له مقدر لتمام هذا الأمر . وعلم أن الدنيا مزرعة الآخرة ، وأنه مجزي على الصغيرة والكبيرة ، وأنه لم يخلق عبثا ، ولن يترك سدى ، ولن يمضي مفردا . .

ومن هذه المعرفة تختفي مشاعر القلق والشك والحيرة الناشئة عن عدم معرفة المنشأ والمصير ؛ وعدم رؤية المطوي من الطريق ، وعدم الثقة بالحكمة التي تكمن وراء مجيئه وذهابه ، ووراء رحلته في ذلك الطريق .

يختفي شعور كشعور الخيام الذي يعبر عنه بما ترجمته :

لبست ثوب العمر لم أستشر *** وحرت فيه بين شتى الفكر

وسوف أنضو الثوب عني ولم *** أدر لماذا جئت أين المقر?

فالمؤمن يعرف - بقلب مطمئن ، وضمير مستريح ، وروح مستبشرة - أنه يلبس ثوب العمر بقدر الله الذي يصرف الوجود كله تصريف الحكيم الخبير . وأن اليد التي ألبسته إياه أحكم منه وأرحم به ، فلا ضرورة لاستشارته لأنه لم يكن ليشير كما يشير صاحب هذه اليد العليم البصير . وأنه يلبسه لأداء دور معين في هذا الكون ، يتأثر بكل ما فيه ، ويؤثر في كل ما فيه . وأن هذا الدور يتناسق مع جميع الأدوار التي يقوم بها كل كائن من الأشياء والأحياء منذ البدء حتى المصير .

وهو يعلم إذن لماذا جاء ، كما أنه يعرف أين المقر ، ولا يحار بين شتى الفكر ، بل يقطع الرحلة ويؤدي الدور في طمأنينة وفي ثقة وفي يقين . وقد يرتقي في المعرفة الإيمانية ، فيقطع الرحلة ويؤدي الدور في فرح وانطلاق واستبشار ، شاعرا بجمال الهبة وجلال العطية . هبة العمر - أو الثوب - الممنوح له من يد الكريم المنان ، الجميل اللطيف ، الودود الرحيم . وهبة الدور الذي يؤديه - كائنا ما كان من المشقة - لينتهي به إلى ربه في اشتياق حبيب !

ويختفي شعور كالشعور الذي عشته في فترة من فترات الضياع والقلق ، قبل أن أحيا في ظلال القرآن ، وقبل أن يأخذ الله بيدي إلى ظله الكريم . ذلك الشعور الذي خلعته روحي المتعبة على الكون كله ، فعبرت عنه أقول :

وقف الكون حائرا أين يمضي *** ولماذا وكيف - لوشاء - يمضي

عبث ضائع وجهد غبين *** ومصير مقنع ليس يرضي

فأنا أعرف اليوم - ولله الحمد والمنة - أنه ليس هناك جهد غبين فكل جهد مجزي . وليس هناك تعب ضائع فكل تعب مثمر . وأن المصير مرض وأنه بين يدي عادل رحيم . وأنا أشعر اليوم - ولله الحمد والمنة - أن الكون لا يقف تلك الوقفة البائسة أبدا ؛ فروح الكون تؤمن بربها ، وتتجه إليه ، وتسبح بحمده . والكون يمضي وفق ناموسه الذي اختاره الله له ، في طاعة وفي رضى وفي تسليم !

وهذا كسب ضخم في عالم الشعور وعالم التفكير ، كما أنه كسب ضخم في عالم الجسد والأعصاب ، فوق ما هو كسب ضخم في جمال العمل والنشاط والتأثر والتأثير .

والإيمان - بعد - قوة دافعة وطاقة مجمعة . فما تكاد حقيقته تستقر في القلب حتى تتحرك لتعمل ، ولتحقق ذاتها في الواقع ، ولتوائم بين صورتها المضمرة وصورتها الظاهرة . كما أنها تستولي على مصادر الحركة في الكائن البشري كلها ، وتدفعها في الطريق . .

[ ذلك سر قوة العقيدة في النفس ، وسر قوة النفس بالعقيدة . سر تلك الخوارق التي صنعتها العقيدة في الأرض وما تزال في كل يوم تصنعها . الخوارق التي تغير وجه الحياة من يوم إلى يوم ، وتدفع بالفرد وتدفع بالجماعة إلى التضحية بالعمر الفاني المحدود في سبيل الحياة الكبرى التي لا تفنى ؛ وتقف بالفرد القليل الضئيل أمام قوى السلطان وقوى المال وقوى الحديد والنار ، فإذا هي كلها تنهزم أمام العقيدة الدافعة في روح فرد مؤمن . وما هو الفرد الفاني المحدود الذي هزم تلك القوى جميعا ، ولكنها القوة الكبرى الهائلة التي استمدت منها تلك الروح ، والينبوع المتفجر الذي لا ينضب ولا ينحسر ولا يضعف ] .

[ تلك الخوارق التي تأتي بها العقيدة الدينية في حياة الأفراد وفي حياة الجماعات لا تقوم على خرافة غامضة ، ولا تعتمد على التهاويل والرؤى . إنها تقوم على أسباب مدركة وعلى قواعد ثابتة . إن العقيدة الدينية فكرة كلية تربط الإنسان بقوى الكون الظاهرة والخفية ، وتثبت روحه بالثقة والطمأنينة ، وتمنحه القدرة على مواجهة القوى الزائلة والأوضاع الباطلة ، بقوة اليقين في النصر ، وقوة الثقة في الله . وهي تفسر للفرد علاقاته بما حوله من الناس والأحداث والأشياء ، وتوضح له غايته واتجاهه وطريقه ، وتجمع طاقاته وقواه كلها ، وتدفعها في اتجاه . ومن هنا كذلك قوتها . قوة تجميع القوى والطاقات حول محور واحد ، وتوجيهها في اتجاه واحد ، تمضي إليه مستنيرة الهدف ، في قوة ، وفي ثقة ، وفي يقين ] .

ويضاعف قوتها أنها تمضي مع الخط الثابت الذي يمضي فيه الكون كله ظاهره وخافيه . وأن كل ما في الكون من قوى مكنونة تتجه اتجاها إيمانيا ، فيلتقي بها المؤمن في طريقه ، وينضم إلى زحفها الهائل لتغليب الحق على الباطل . مهما يكن للباطل من قوة ظاهرة لها في العيون بريق !

وصدق الله العظيم : ( يمنون عليك أن أسلموا . قل : لا تمنوا علي إسلامكم . بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) . فهي المنة الكبرى التي لا يملكها ولا يهبها إلا الله الكريم ، لمن يعلم منه أنه يستحق هذا الفضل العظيم .

وصدق الله العظيم . فماذا فقد من وجد الأنس بتلك الحقائق والمدركات وتلك المعاني والمشاعر ? وعاش بها ومعها ، وقطع رحلته على هذا الكوكب في ظلالها وعلى هداها ? وماذا وجد من فقدها ولو تقلب في أعطاف

النعيم . وهو يتمتع ويأكل كما تأكل الأنعام . والأنعام أهدى لأنها تعرف بفطرتها الإيمان ؛ وتهتدي به إلى بارئها الكريم ?