الآية 17 وقوله تعالى : { يمُنُّون عليك أن أسلموا } الذي حملهم ، وبعثهم على الامتنان عليه بالإيمان الذي أتوا به أنهم{[19705]} قوم لا يؤمنون بالآخرة ، فيظنون أنهم إذا أظهروا الموافقة لم يلحقهم بسببه مؤُنة الخروج إلى القتال ، أو متى أظهروا الإيمان يصير المسلمون أعوانا لهم ونحو ذلك .
هذا الذي ذكرنا ونحوه بعثهم ، وحملهم على الامتنان عليه ، ولو كانوا يؤمنون بالآخرة لعرفوا أن إيمانهم لأنفسهم ؛ إذ به نجاتهم ، وإليهم يقع نفعه ، ليس في الإيمان لله تعالى نفع ، ولا في تركه ضرر . تعالى عن الضرر والنفع ، فيكون الامتنان لله تعالى عليهم كما قال : { بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنت صادقين } .
ثم قوله عز وجل : { بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان } نقض قول المعتزلة : إنه يجب على الله تعالى أن يهديهم لقولهم بالأصلح ؛ فإنه قال : { بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان } ولو كانت هدايتهم واجبة عليه لا يكون له عليهم منّته لأنه مؤدّ ما عليه من الحق . ومن أدّى حقا عليه لآخر لا يكون له الامتنان على صاحب الحق .
وكذلك في قوله تعالى : { فضلا من الله ونعمة } [ الحجرات : 8 ] لو كانت الهداية عليه لا يكون في قوله مفضِّلا ولا منعما ، بل يكون له عليهم الامتنان ، ومنهم الإفضال والإنعام لما عظّموه ، وبجّلوه بشيء كان عليه فعل ذلك حقا واجبا لهم ، فدلّ على فساد مذهبهم .
وفيه دلالة أن الهداية ليست هي البيان فحسب لوجهين :
أحدهما : لأن هداية البيان مما قد كان في حق الكافر والمسلم جميعا ، فلا معنى لتخصيص المسلمين بهذه المنّة ، ومثلها موجود في حق غيرهم .
والثاني : أن البَين قد عمّ الكافر والمؤمن ، وقد أخبر الله تعالى بأن له المِنّة عليهم إن كانوا صادقين في إيمانهم . فلو كانت الهداية ، هي البيان /524-ب/ لا غير ، لكان لا يُشترط فيه صدقهم لأن منّة البيان تعمّ الصادقين وغير الصادقين .
دلّ أن المراد من الهداية الإسلام حتى تتحقق له المنة على الخصوص في حق المسلمين ، والله الموفّق .
ثم الهداية المذكورة ههنا تحتمل وجهين :
أحدهما : خلق فعل الاهتداء منهم .
والثاني : التوفيق والعصمة ؛ كأنه يقول : { بل الله يمنّ عليكم أن } خلق منكم الاهتداء ، أو وفّقكم للإيمان وعصمكم عن ضدّه .
وكذلك يخرّج قوله تعالى : { ولكن الله حبّب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوكم } [ الحجرات : 7 ] على هذين الوجهين : وفّقكم له ، وعصمكم عن ضده ، أو خلق حبّه في قلوبكم ، وزيّنه ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.