معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

قوله تعالى : { أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق } كيف يخلقهم ابتداء نطفة ثم علقة ثم مضغة { ثم يعيده } في الآخرة عند البعث . { إن ذلك على الله يسير* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

ثم ساق - سبحانه - ما يدل على أن البعث حق ، وأنه - تعالى - لا يعجزه شئ ، فقال : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ الله الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } .

والاستفهام لتوبيخهم على إنكارهم هذه الحقيقة ، وعدم تعلقهم لما يدل عليها دلالة واضحة ، والواو للعطف على مقدر .

والمعنى : ألم ينظر هؤلاء المشركون المنكرون للبعث ، ويعلموا كيف خلق الله - تعالى - الخلق ابتداء ، ليستدلوا بذلك على قدرته على الإِعادة ، وهى أهون عليه .

إنهم ليرون كيف يبدئ الله الخلق فى النبتة النامية ، وفى الشجرة الباسقة ، وفى كل ما لم يكن ، ثم بعد ذلك يكون ، فكيف أنكروا إعادة هذا المخلوق إلى الحياة مرة أخرى ، مع أنه من المسلم عند كل ذى عقل ، أن الإِعادة أيسر من الخلق ابتداء ؟

فالآية الكريمة تقرعهم على إنكارهم البعث ، وتسوق لهم الأدلة الواضحة على إمكانيته .

واسم الإشارة فى قوله { إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ } يعود إلى ما ذكر من الأمرين وهما : بدء الخلق ، وإعادته إلى الحياة مرة أخرى .

أى : إن ذلك الذى ذكرناه لكم من خلقكم ابتداء ، ثم إعادتكم إلى الحياة بعد موتكم ، يسير وهين على الله ، لأنه - سبحانه - لا يعجزه شئ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : أو لم يروا كيف يستأنف الله خلق الأشياء طفلاً صغيرا ، ثم غلاما يافعا ، ثم رجلاً مجتمعا ، ثم كهلاً . يقال منه : أبدأ وأعاد ، وبدأ وعاد ، لغتان بمعنى واحد . وقوله : ثُمّ يُعِيدُه يقول : ثم هو يعيده من بعد فنائه وبلاه ، كما بدأه أوّل مرّة خلقا جديدا ، لا يتعذّر عليه ذلك إنّ ذلكَ على اللّهِ يَسِيرٌ سهل كما كان يسيرا عليه إبداؤه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، في قوله أو لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِىءُ اللّهُ الخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ : بالبعث بعد الموت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

ويحتمل أن يريد { أو لم يروا } بالدلائل والنظر كيف يجوز أن يعد الله الأجسام بعد الموت وهو تأويل قتادة ، وقال الربيع ابن أنس : كيف يبدأ الخلق الإنسان ثم يعيده إلى أحوال أخر حتى إلى التراب ، وقال مقاتل { الخلق } في هذه الآية الليل والنهار .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

يجري هذا الكلام على الوجهين المذكورين في قوله { وإن تكذبوا } [ العنكبوت : 18 ] . ويترجح أن هذا مسوق من جانب الله تعالى إلى المشركين بأن الجمهور قرأوا { أو لم يروا } بياء الغيبة ولم يجر مثل قوله { وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم } [ العنكبوت : 18 ] . ومناسبة التعرض لهذا هو ما جرى من الإشارة إلى البعث في قوله { وإليه ترجعون } [ العنكبوت : 17 ] تنظيراً لحال مشركي العرب بحال قوم إبراهيم .

وقرأ الجمهور { أو لم يروا } بياء الغائب والضمير عائد إلى { الذين كفروا } [ العنكبوت : 12 ] في قوله { وقال الذين كفروا للذين ءامنوا } [ العنكبوت : 12 ] ، أو إلى معلوم من سياق الكلام . وعلى وجه أن يكون قوله { وإن تكذبوا } [ العنكبوت : 18 ] الخ خارجاً عن مقالة إبراهيم يكون ضمير الغائب في { أو لم يروا } التفاتاً . والالتفات من الخطاب إلى الغيبة لنكتة إبعادهم عن شرف الحضور بعد الإخبار عنهم بأنهم مُكذبون .

وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف { أو لم تروا } بالفوقية على طريقة { وإن تُكذبوا } [ العنكبوت : 18 ] على الوجهين المذكورين .

والهمزة للاستفهام الإنكاري عن عدم الرؤية ، نزلوا منزلة من لم ير فأنكر عليهم .

والرؤية يجوز أن تكون بصرية{[309]} ، والاستدلال بما هو مشاهد من تجدد المخلوقات في كل حين بالولادة وبروز النبات دليل واضح لكل ذي بصر .

وإبداء الخلق : بَدْؤُه وإيجاده بعد أن لم يكن موجوداً . يقال : أبدأ بهمزة في أوله وبدأ بدونها وقد وردا معاً في هذه الآية إذ قال { كيف يُبدىء الله الخلق } ثم قال { فانظروا كيف بدأ الخلق } [ العنكبوت : 20 ] ولم يجىء في أسمائه تعالى إلا المُبْدِىء دون البادىء .

وأحسب أنه لا يقال ( أبدأ ) بهمز في أوله إلا إذا كان معطوفاً عليه ( يُعيد ) ولم أر من قيده بهذا .

و { الخلق } : مصدر بمعنى المفعول ، أي المخلوق كقوله تعالى { هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه } [ لقمان : 11 ] .

وجيء { يبدىء } بصيغة المضارع لإفادة تجدد بدء الخلق كلما وجه الناظر بصره في المخلوقات ، والجملة انتهت بقوله { يبدىء الله الخلق } . وأما جملة { ثم يعيده } فهي مستأنفة ابتدائية فليست معمولة لفعل { يروا } لأن إعادة الخلق بعد انعدامه ليست مرئية لهم ولا هم يظنونها فتعين أن تكون جملة { ثم يعيده } مستقلة معترضة بين جملة { أو لم يروا } وجملة { قل سيروا في الأرض } . و { ثم } للتراخي الرتبي لأن أمر إعادة الخلق أهمّ وأرفع رتبة من بدئه لأنه غير مشاهد ولأنهم ينكرونه ولا ينكرون بدء الخلق قال في « الكشاف » : هو كقولك : ما زلت أوثر فلاناً وأستخلفه على من أخلِّفه » يعني فجملة : وأستخلفه ، ليست معطوفة على جملة : أوثر ، ولا داخلة في خبر : ما زلت ، لأنك تقوله قبل أن تستخلفه فضلاً عن تكرر الاستخلاف منك . هذه طريقة « الكشاف » وهو يجعل موقع { ثم يعيده } كموقع التفريع على الاستفهام الإنكاري .

واعلم أن هذين الفعلين ( يبدىء ويعيد ) وما تصرف منهما مما جرى استعمالهما متزاوجين بمنزلة الاتباع كقوله تعالى { وما يبدىء الباطل وما يُعيد } في سورة [ سبأ : 49 ] . قال في « الكشاف » في سورة سبأ : فجعلوا قولهم : لا يبدىء ولا يعيد ، مثلاً في الهلاك ، ومنه قول عبيد :

فاليوم لا يبدي ولا يعيد

ويقال : أبدأ وأعاد بمعنى تصرف تصرفاً واسعاً ، قال بشار :

فهمومي مُظِلة *** بادِئاتٍ وعودا

ويجوز أن تكون الرؤية علمية متعدية إلى مفعولين : أنكر عليهم تركهم النظر والاستدلال الموصّل إلى علم كيف يُبدىء الله الخلق ثم يعيده لأن أدلة بدء الخلق تفضي بالناظر إلى العلم بأن الله يعيد الخلق فتكون { ثم } عاطفة فعل { يعيده } على فعل { يبدىء } والجميع داخل في حيز الإنكار .

و { كيف } اسم استفهام وهي معلِّقة فعل { يروا } عن العمل في معموله أو معموليه . والمعنى : ألم يتأملوا في هذا السؤال ، أي في الجواب عنه . والاستفهام ب { كيف } مستعمل في التنبيه ولفت النظر لا في طلب الإخبار .

وجملة { إن ذلك على الله يسير } مبينة لما تضمنه الاستفهام من إنكار عدم الرؤية المؤدية إلى العلم بوقوع الإعادة ، إذ أحالوها مع أن إعادة الخلق إن لم تكن أيسر من الإعادة في العرف فلا أقل من كونها مساوية لها وهذا كقوله تعالى { وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] . والإشارة ب { ذلك } إلى المصدر المفاد من { يعيده } مثل عود الضمير على نظيره في قوله { وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] . ووجه توكيد الجملة ب { إن } ردُّ دعواهم أنه مستحيل .


[309]:- سيجيء مقابل هذا بعض بضعة وعشرين سطرا.