البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر ، بخلاف عنه : تروا ، بتاء الخطاب ؛ وباقي السبعة : بالياء .

والجمهور : يبدىء ، مضارع أبدأ ؛ والزبير .

وعيسى ، وأبو عمرو : بخلاف عنه : يبدأ ، مضارع بدأ .

وقرأ الزهري : { كيف بدأ الخلق } ، بتخفيف الهمزة بإبدالها ألفاً ، فذهبت في الوصل ، وهو تخفيف غير قياسي ، كما قال الشاعر :

فارعى فزارة لا هناك المرتع ***

وقياس تخفيف هذا التسهيل بين بين ، وتقريرهم على رؤية بدء الخلق في قوله : { أو لم يروا } ، وفي : { فانظروا كيف بدأ الخلق } ، إنما هو لمشاهدتهم إحياء الأرض بالنبات ، وإخراج أشياء من العدم إلى الوجود ، وقوله : { ثم يعيده } ، وقوله : { ثم الله ينشىء } ، ليس داخلاً تحت الرؤية ولا تحت النظر ، فليس { ثم يعيده } معطوفاً على يبدىء ، ولا { ثم ينشىء } داخلاً تحت كيفية النظر في البدء ، بل هما جملتان مستأنفتان ، إخباراً من الله تعالى بالإعادة بعد الموت .

وقدم ما قبل هاتين الجملتين على سبيل الدلالة على إمكان ذلك ، فإذا أمكن ذلك وأخبر الصادق بوقوعه ، صار واجباً مقطوعاً بعلمة ، ولا شك فيه .

وقال قتادة : { أو لم يروا } ، بالدلائل والنظر كيف يجوز أن يعيد الله الأجسام بعد الموت ؟ وقال الربيع بن أنس المعنى : كيف يبدأ خلق الإنسان ثم يعيده إلى أحوال أخر ، حتى إلى التراب ؟ وقال مقاتل : الخلق هنا الليل والنهار .