السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

{ أو لم يروا } أي : ينظروا { كيف يبدئ الله } أي : الذي له كل كمال { الخلق } أي : يخلقهم الله تعالى ابتداء نطفة ثم مضغة ثم علقة { ثم } هو لا غيره { يعيده } أي : الخلق كما كان { إنّ ذلك } أي : المذكور من الخلق الأوّل والثاني { على الله } أي : الجامع لكل كمال ، المنزه عن كل شائبة نقص { يسير } فكيف ينكرون الثاني ؟ ، فإن قيل : متى رأى الإنسان بدء الخلق حتى يقال أو لم يروا كيف يبدأ الله الخلق ؟ .

أجيب : بأنّ المراد بالرؤية العلم الواضح الذي هو كالرؤية فالعاقل يعلم أنّ البدء من الله تعالى لأنّ الخلق الأول لا يكون من مخلوق وإلا لما كان الخلق الأول خلقاً أوّل فهو من الله تعالى ، فإن قيل علق الرؤية بالكيفية لا بالخلق ولم يقل أو لم يروا أنّ الله خلق أو بدأ الخلق والكيفية غير معلومة ؟ أجيب : بأنّ هذا القدر من الكيفية معلوم وهو أنه خلقه ولم يكُ شيئاً مذكوراً وأنه خلقه من نطفة هي من غذاء هو من ماء وتراب وهذا القدر كاف في حصول العلم بإمكان الإعادة ، فإن قيل : لمَ أبرز اسمه تعالى في أن ذلك على الله يسير ولم يقل إن ذلك عليه كما قال : ثم يعيده من غير إبراز ؟ .

أجيب : بأنه مع إقامة البرهان على أنه يسير أكده بإظهار اسمه فإنه يوجب المعرفة أيضاً بكون ذلك يسيراً فإن الإنسان إذا سمع لفظ الله وفهم معناه أنه الحيّ القادر بقدرة كاملة لا يعجزه شيء ، محيط بذرات كل نافذ الإرادة يقطع بجواز الإعادة ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف تروا بالتاء على الخطاب على تقدير القول ، والباقون بالياء على الغيْبة .