فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ كَيۡفَ يُبۡدِئُ ٱللَّهُ ٱلۡخَلۡقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥٓۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (19)

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيء الله الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } قرأ الجمهور { أولم يروا } بالتحتية على الخبر ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم . قال أبو عبيد : كأنه قال : أولم ير الأمم . وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي بالفوقية على الخطاب من إبراهيم لقريش . وقيل : هو خطاب من الله لقريش . قرأ الجمهور : { كيف يبدىء } بضم التحتية من أبدأ يبدىء . وقرأ الزبيري وعيسى بن عمر وأبو عمرو بفتحها من بدأ يبدأ . وقرأ الزهري " كيف بدأ " والمعنى : ألم يروا كيف يخلقهم الله ابتداء نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم ينفخ فيه الروح ، ثم يخرجه إلى الدنيا ، ثم يتوفاه بعد ذلك وكذلك سائر الحيوانات وسائر النباتات ، فإذا رأيتم قدرة الله سبحانه على الابتداء والإيجاد فهو القادر على الإعادة ، والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم ، والواو للعطف على مقدّر { إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ } لأنه إذا أراد أمراً قال له : كن فيكون .

ثم أمر سبحانه إبراهيم أن يأمر قومه بالمسير في الأرض ليتفكروا ويعتبروا ، فقال : { قُلْ سِيرُواْ فِي الارض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق } على كثرتهم واختلاف ألوانهم وطبائعهم وألسنتهم وانظروا إلى مساكن القرون الماضية والأمم الخالية وآثارهم ؛ لتعلموا بذلك كمال قدرة الله . وقيل إن المعنى : قل لهم يا محمد سيروا ، ومعنى قوله : { ثُمَّ الله يُنشِىء النشأة الآخرة } أن الله الذي بدأ النشأة الأولى ، وخلقها على تلك الكيفية ينشئها نشأة ثانية عند البعث ، والجملة عطف على جملة : { سيروا في الأرض } .

/خ27