قوله تعالى : { إنما ذلكم الشيطان } . يعني ذلك الذي قال لكم إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم من فعل الشيطان ألقي في أفواههم ليرهبوهم ويجبنوا عنهم .
قوله تعالى : { يخوف أولياءه } . أي يخوفكم بأوليائه ، وكذلك هو في قراءة أبي بن كعب يعني يخوف المؤمنين بالكافرين ، قال السدي : يعظم أولياءه في صدورهم ليخافوهم ، يدل عليه قراءة عبد الله بن مسعود يخوفكم أولياءه .
قوله تعالى : { فلا تخافوهم وخافون } . في ترك أمري .
قوله تعالى : { إن كنتم مؤمنين } . مصدقين بوعدي لأني متكفل لكم بالنصر والظفر .
ثم أمر الله - تعالى - عباده المؤمنين أن يجعلوا خشيتهم وخوفهم منه وحده ، فقال - تعالى - : { إِنَّمَا ذلكم الشيطان يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } .
فالخطاب فى الآية الكريمة للمؤمنين ، والإشارة بذلك إلى المثبط بالذات أو بالواسطة .
وقوله { إِنَّمَا } أداة حصر ، و { ذلكم } مبتدأ و { الشيطان } خبره ، وقوله : { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } جملة مستأنفة مبينة لشيطنته .
وقيل إن { ذلكم } مبتدأ أول ، و { الشيطان } مبتدأ ثان . وقوله : { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } خبر للمبتدأ الثانى . وهو وخبره خبر للمبتدأ الأول .
والمراد بالشيطان إبليس لأنه علم بالغلبة عليه ولأنه هو الذى يخوف بالوسوسة . وقيل المراد به أتباعه الذين دسهم لكى يرهبوا المؤمنين من الكافرين وهم جماعة بنى عبد القيس أو نعيم بن مسعود المجاشعى .
إنما ذلكم المثبط لكم عن لقاء أعدائكم هو الشيطان ، الذى يوسوس فى قلوبكم بالشر بذاته ، أو بواسطة أتباعه الضالين ، ومن شأن المؤمنين الصادقين أنهم لا يتأثرون بهذه الوساوس الكاذبة ، وإنما الذين يتأثرون بها هم ضعاف الإيمان .
وقوله { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أى يخوف أولياءه المنافقين وضعفاء الإيمان ليقعدوا عن مقاتلة المشركين . أما أنتم أيها المؤمنون الصادقون فإنكم لن يقعدكم تخويفه ، لأن هذا التخويف لا أثر له فى قلب من آمن بالله حق الإيمان ، واتقاه حق تقاته .
وقيل إن معنى { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } يخوفكم بأوليائه فحذف المفعول وحذف الجار . كما فى قوله : { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم } أى فإذا خفت عليه فرعون . فحذف المفعول . وكما فى قوله : { لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق } أى لينذركم يوم التلاقى .
وقيل إن المعنى : يخوفكم أولياءه فحذف المفعول الأول كما تقول : أعطيت الأموال ، أى أعطيت القوم الأموال .
وقوله { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } أى فلا تخافوا أولياء الشيطان ، بل اجعلوا خوفكم منى وحدى ، إن كنتم مؤمنين حقا .
فالمقصود بهذه الجملة الكريمة تشجيعهم ، وتقويتهم ، وإلهاب شعورهمن إذ الإيمان الحق يستلزم الخوف من الله دون سواه .
والمراد بالنهى عن الخوف وهو أمر نفسى : النهى عن أسبابه التى من أهمها حب الدنيا وكراهية الموت أى خذوا بأسباب القوة التى من أهمها التمسك بتقوى الله فإن ذلك يزيل الخوف من قلوبكم .
وفى المقابلة بين النهى عن الخوف من أولياء الشيطان ، وبين الأمر بأن يكون خوفهم من الله وحده ، فى هذه المقابلة إرشاد إلى العلاج الذى يزيل الخوف والفزع من نفوسهم . لأن الذى يجعل خشيته وخوفه من الله وحده لن يستطيع الشيطان أو أولياؤه أن يبعدوه عن الطريق القويم وصدق الله إذ يقول : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } وبذلك ترى أن الآيات الكريمة قد رفعت منازل الشهداء إلى أعلى الدرجات ، وصرحت بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون . كما أثنت ثناء مستطابا على الذين لبوا دعوة رسولهم صلى الله عليه وسلم حين دعاهم إلى الجهاد فى سبيل الله ، ولم يمنعهم عن إجابة دعوته ما بهم من جراح ، أو ما قاله لهم المرجفون من أقوال باطلة ، فرضى الله عنهم وأرضاهم .
{ إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ }
يعني بذلك تعالى ذكره : إنما الذي قال لكم أيها المؤمنون : إن الناس قد جمعوا لكم ، فخوفوكم بجموع عدوكم ، ومسيرهم إليكم ، من فعل الشيطان ، ألقاه على أفواه من قال ذلك لكم ، يخوفكم بأوليائه من المشركين أبي سفيان وأصحابه من قريش ، لترهبوهم ، وتجبنوا عنهم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } يخوف والله المؤمن بالكافر ، ويرهب المؤمن بالكافر .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد : { إنّمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } قال : يخوف المؤمنين بالكفار .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { إنّمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } يقول : الشيطان يخوف المؤمنين بأوليائه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { إنّمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } : أي أولئك الرهط ، يعني : النفر من عبد القيس الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا ، وما ألقى الشيطان على أفواههم ، { يُخَوّفُ أوْلياءَهُ } أي يرهبكم بأوليائه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا علي بن معبد ، عن عتاب بن بشير ، مولى قريش ، عن سالم الأفطس ، في قوله : { إنّمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } قال : يخوفكم بأوليائه .
وقال آخرون : معنى ذلك : إنما ذلكم الشيطان يعظم أمر المشركين أيها المنافقون في أنفسكم فتخافونه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ذكر أمر المشركين وعظمهم في أعين المنافقين فقال : { إنّمَا ذَلِكُمُ الشّيطانُ يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } : يعظم أولياءه في صدوركم فتخافونهم .
فإن قال قائل : وكيف قيل : { يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } وهل يخوف الشيطان أولياءه ؟ قيل : إن كان معناه يخوفكم بأوليائه يخوف أولياءه . قيل ذلك نظير قوله : { لِيُنذِرَ بَأْسا شَدِيدا } بمعنى : لينذركم بأسه الشديد ، وذلك أن البأس لا ينذر ، وإنما ينذر به . وقد كان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : معنى ذلك : يخوّف الناس أولياءه ، كقول القائل : هو يعطي الدراهم ، ويكسو الثياب ، بمعنى : هو يعطي الناس الدراهم ، ويكسوهم الثياب ، فحذف ذلك للاستغناء عنه . وليس الذي شبه ذلك بمشبه ، لأن الدراهم في قول القائل : هو يعطي الدراهم معلوم أن المُعْطَى هي الدراهم ، وليس كذلك الأولياء في قوله : { يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } مخوفين ، بل التخويف من الأولياء لغيرهم ، فلذلك افترقا .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إنْ كُنُتمْ مُؤْمِنِينَ } .
يقول : فلا تخافوا أيها المؤمنون المشركين ، ولا يعظمنّ عليكم أمرهم ، ولا ترهبوا جمعهم مع طاعتكم إياي ، ما أطعتموني ، واتبعتم أمري ، وإني متكفل لكم بالنصر والظفر ، ولكن خافون ، واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري ، فتهلكوا إن كنتم مؤمنين . يقول : ولكن خافوني دون المشركين ، ودون جميع خلقي أن تخالفوا أمري إن كنتم مصدّقي رسولي وما جاءكم به من عندي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.