معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (20)

قوله عز وجل :{ اعلموا أنما الحياة الدنيا } أي : أن الحياة الدنيا " وما " صلة ، أي : إن الحياة في هذه الدار ، أي : إن الحياة في هذه الدار ، { لعب } باطل لا حاصل له ، { ولهو } فرح ثم ينقضي ، { وزينة } منظر تتزينون به ، { وتفاخر بينكم } يفخر به بعضكم على بعض ، { وتكاثر في الأموال والأولاد } أي : مباهاة بكثرة الأموال والأولاد ، ثم ضرب لها مثلاً فقال : { كمثل غيث أعجب الكفار } أي : الزراع ، { نباته } ما نبت من ذلك الغيث ، { ثم يهيج } ييبس ، { فتراه مصفراً } بعد خضرته ونضرته ، { ثم يكون حطاماً } يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى ، { وفي الآخرة عذاب شديد } قال مقاتل : لأعداء الله ، { ومغفرة من الله ورضوان } لأوليائه وأهل طاعته . { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } قال سعيد بن جبير : متاع الغرور لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة ، ومن اشتغل بطلبها فله متاع بلاغ إلى ما هو خير منه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (20)

ثم بين - سبحانه - حال الحياة ، التى ركن إليها الكافرون واطمأنوا بها . . . ودعا المؤمنين إلى أن تكون هممهم متجهة نحو الآخرة ، عن طريق التسلح بالأعمال الصالحة . فقال - تعالى - : { اعلموا أَنَّمَا الحياة . . . } .

أى : { اعلموا } - أيها المؤمنون علم استجابة وامتثال لما آمركم به - { أَنَّمَا الحياة الدنيا } التى تعيشون فيها ما شاء الله لكم أن تعيشوا . . . { لَعِبٌ } واللعب : هو قضاء الوقت فى قول أو فعل لا فائدة من روائه .

{ وَلَهْوٌ } واللهو : اسم لفعل أو قول يقصد من روائه التلذذ والتمتع ، وصرف الآلام والهموم عن النفس .

{ وَزِينَةٌ } الزينة اسم لما يتزين به الإنسان من ملبس أو مسكن أو ما يشبههما مما يفعله من أجل أن يكون فى أعين الناس مهيبا جميلا .

{ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ } أى : وتفاخر فيما بينكم بالأموال والمناصب والأحساب والأعمال . . . وتكاثر فى الأموال والأولاد ، والتكاثر تفاعل من الكثرة - كما أن التفاخر تفاعل من الفخر - وصيغة التفاعل جىء بها هنا ، للمبالغة فى إظهار ما يتفاخرون به ، وما يتكاثرون فيه ، حتى لكأنه ينافس غيره فى ذلك ويريد الظهور عليه .

والحرص على التفاخر والتكاثر فى الأموال والأولاد ، من طبيعة كثير من الناس ، كما قال - تعالى - : { أَلْهَاكُمُ التكاثر حتى زُرْتُمُ المقابر } ثم بين - سبحانه - حال الحياة الدنيا ، التى يلعب الناس فيها ، ويلهون ويتفاخرون . ويتكاثرون .

فقال : { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ } .

أى : هذه الحياة الدنيا حالها وصفتها ومثلها كمثل مطر أعجب الكفار وراقهم وسرهم ، ما ترتب على هذا المطر ، من نبات جميل نبت من الأرض بعد هطول الغيث عليها .

فقوله - تعالى - : { كَمَثَلِ } خبر لمبتدأ محذوف ، أى : مثلها كمثل مطر .

والمراد بالكفار هنا : الجاحدون لنعم الله - تعالى - الساترون لها ، وخصوا بالذكر ، لأنهم أشد إعجابا وسروراً وانغماسا فى زينة الحياة الدنيا من غيرهم .

وروى عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - أن المراد بالكفار هنا : الزراع الذين يزرعون الأرض بعد نزول المطر عليها ، ويبذورن فيها البذور سموا كفارا من الكفر بمعنى الستر والإخفاء ، يقال : كفر الزارع بذره أو زرعه إذا أخفاه فى الأرض ، حتى لا يتعرض للتلف أو الضياع .

وقوله - سبحانه - : { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } .

والهيجان : الاضطراب والثوران ، ومنه سميت الحرب بالهيجاء ، لأن فيها يضطرب المقاتلون ، ويثور بعضهم على بعض .

ويرى بعضهم أن معنى { يَهِيجُ } هنا : ييبس ويجف .

وعطف - سبحانه - جملة { يَهِيجُ } بحرف { ثُمَّ } لإفادة التراخى الرتبى ، إذ أن وصول النبات إلى درجة من الهيجان وبلوغ منتهاه ، لا يتأتى إلا بعد زمن طويل من بدء زراعته .

ولم يرتض بعض المحققين هذا المعنى فقال : تفسير { يَهِيجُ } بييبس فيه تسامح ، فإن حقيقته أن يتحرك إلى أقصى ما يتأتى له . أى : من الطول والغلظ .

أى : ثم يتحرك هذا النبات الذى أعجب الكفار إلى أقصى ما يتأتى له من طول وقوة ، ثم يبدأ فى الضعف ، فتراه - أيها الناظر إليه - نباتا مصفراً متغيراً عما كان عليه من النضرة ، آخذا فى الذبول وفى التهيؤ للحصاد .

ثم يكون بعد ذلك حطاما ، أى : نباتا محطما مكسرا .

والمقصود بقوله - تعالى - { كَمَثَلِ غَيْثٍ . . } إلخ التقرير والتأكيد لما وصفت به الدنيا من كونها لعبا ولهوا وزينة .

وتشبيهها فى سرعة زوالها ، وانقضاء نعيمها ، وقلة فائدتها . . بحال نبات ظهر على الأرض بعد هطول المطر عليها ، واستمر فى ظهوره وجماله ونضرته وهيجانه ، لفترة مَّا من الحياة ، أعجب خلالها الكفار به ، ثم حل بهذا النبات اليانع الاصفرار والاضمحلال حتى صار حطاما مفتتا تذروه الرياح .

والمقصود بهذا التشبيه ، زجر الناس عن الركون إلى الحياة الدنيا ركونا ينسون معه فرائض الله - تعالى - وتكاليفه التى كلفهم بها - سبحانه - .

وعطف - سبحانه - : { فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً } بالفاء للإشعار بقصر المسافة ، مهما طالت فى عرف الناس - بين نضرة الزرع واستوائه ، وبين اصفراره ونهايته .

قال صاحب الكشاف - رحمه الله - : أراد - سبحانه - أن الدنيا ليست إلا محقرات من الأمور ، وهى اللعب واللهو . . . وأما الآخرة فما هى إلا أمور عظام .

وشبه حال الدنيا بسرعة تقضّيها ، مع قلة جدواها ، بنبات أنبته الغيث فاستوى واكتمل ، وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله ، فيما رزقهم من الغيث ، والنبات . . . فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان عظم الآخرة ، وهوان الدنيا فقال : { وَفِي الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ } أى : لمن كفر بالله - تعالى - وفسق عن أمره .

{ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ } أى : لمن آمن بالله - تعالى - واتبع ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحافظ على أداء ما كلف به بإخلاص وحسن اقتداء .

{ وَمَا الحياة الدنيآ إِلاَّ مَتَاعُ الغرور } أى : وما أحوال الحياة الدنيا وما اشتملت عليه من شهوات ، إلا متاع زائل ، لا يقدم عليه ، ولا يتشبع به إلا من خدع بزخرفه ، واغتر بمظهره .

فالمراد بالغرور : الخديعة ، مصدر غره . أى : خدعه وأطمعه بالباطل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} (20)

القول في تأويل قوله تعالى : { اعْلَمُوَاْ أَنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأمْوَالِ وَالأوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مّنَ اللّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَآ إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } .

يقول تعالى ذكره : اعلموا أيها الناس أن متاع الحياة الدنيا المعجلة لكم ، ما هي إلا لعب ولهو تتفكّهون به ، وزينة تتزيّنون بها ، وتفاخر بينكم ، يفخر بعضكم على بعض بما أولى فيها من رياشها وَتكاثُرٌ في الأمْوَالِ والأوْلادِ يقول تعالى ذكره : ويباهي بعضكم بعضا بكثرةِ الأموال والأولاد كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمّ يَهِيجُ يقول تعالى ذكره : ثم ييبس ذلك النبات فَتَراهُ مُصْفَرّا بعد أن كان أخضرَ نضِرا .

وقوله : ثُمّ يَكُونُ حُطاما يقول تعالى ذكره : ثم يكون ذلك النبات حطاما ، يعني به أنه يكون نبتا يابسا متهشما وفِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ يقول تعالى ذكره : وفي الاَخرة عذاب شديد للكفار وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٌ لأهل الإيمان بالله ورسوله . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : اعْلَمُوا أنّمَا الْحَياةُ الدّنيْا لَعِبٌ ولَهْوٌ . . . الآية ، يقول : صار الناس إلى هذين الحرفين في الاَخرة .

وكان بعض أهل العربية يقول في قوله : وفِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٌ ذكر ما في الدنيا ، وأنه على ما وصف ، وأما الاَخرة فإنها إما عذاب ، وإما جنة . قال : والواو فيه وأو بمنزلة واحدة .

وقوله : وَما الْحَياةُ الدّنيْا إلاّ مَتاعُ الغُرُورِ يقول تعالى ذكره : وما زينة الحياة الدنيا المعجلة لكم أيها الناس ، إلا متاع الغرور .

حدثنا عليّ بن حرب الموصلي ، قال : حدثنا المحاربيّ : عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنّةِ خَيْرٌ مِنَ الدّنْيا وَما فيها » .