معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا} (82)

قوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن } يعني : أفلا يتفكرون في القرآن ؟ والتدبر هو النظر في آخر الأمر ، ودبر كل شيء آخره .

قوله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } . أي تفاوتاً وتناقضاً كثيراً ، قاله ابن عباس ، وقيل : ( لوجدوا فيه ) أي : في الإخبار عن الغيب بما كان وبما يكون ( اختلافاً كثيراً ) ، أفلا يتفكرون فيه فيعرفوا بعدم التناقض فيه ، وصدق ما يخبر به ، أنه كلام الله تعالى لأن ما لا يكون من عند الله لا يخلو عن تناقض واختلاف .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا} (82)

ثم أنكر - سبحانه - على هؤلاء المنافقين وأشباههم عدم تدبرهم للقرآن وحضهم على تأمل حكمه وأحكامه وهدايته فقال : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } .

وقوله { يَتَدَبَّرُونَ } من التدبير ، وتدبر الأمر - كما يقول الزمخشرى - تأمله والنظر فى أدباره وما يئول اليه فى عاقبته ومنتهاه ، ثم استعمل فى كل تأمل فمعنى تدبر القرآن : تأمل معانيه وتبصر ما فيه .

والاستفهام لإِنكار عدم تدبرهم ، والتعجيب من استمرارهم فى جهلهم ونفاقهم مع توفر الأسباب التى توصلهم إلى الهداية وعلى رأسها تدبر القرآن وتفهم معانيه .

والفاء للعطف على مقدر . أى : أيعرضون عن القرآن فلا يتأملون فيه .

والمعنى : إن هؤلاء المنافقين والذين فى قلوبهم مرض قد خيب الله سعيهم ، وكشف خباياهم ، ورأوا بأعينهم سوء عاقبة الكافرين وحسن عاقبة المؤمنين ، فهلا دفعهم ذلك إلى الإِيمان وإلى تدبر القرآن وما اشتمل عليه من هدايات وإرشادات وأخبار صادقة ، وأحكام حكيمة . . تشهد بأنه من عند الله - تعالى - ، ولو كان هذا القرآن من عند غير الله أى من إنشاء البشر لوجدوا فى أخباره وفى نظمه وفى أسلوبه وفى معانيه اختلافا كثيرا فضلا عن الاختلاف القليل ، ولكن القرآن لأنه من عند الله وحده قد تنزه عن كل ذلك وخلا من كل اختلاف سواء أكان كثيراً أم قليلا .

فالمراد بالاختلاف : تباين النظم ، وتناقض الحقائق ، وتعارض الأخبار وتضارب المعانى ، وغير ذلك مما خلا منه القرآن الكريم لأنه يتنافى مع بلاغته وصدقه .

وفى ذلك يقول صاحب الكشاف : قوله { لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } أى : لكان الكثير منه مختلفا متناقضا قد تفاوت نظمه وبلاغته ومعانيه فكان بعضه بالغا حد الإِعجاز . وبعضه قاصرا عنه تمكن معارضته ، وبعضه إخبارا يغيب قد وافق المخبر عنه ، وبعضه إخبارا مخالفا للمخبر عنه ، وبعضه دالا على معنى صحيح عند علماء المعانى ، وبعضه دالا على معنى فاسد غير ملتئم .

فلما تجاوب كله بلاغة معجزة فائقة لقوى البلغاء ، وتناصر معان ، وصدق أخبار دل على أنه ليس إلا من عند قادر على ما لم يقدر عليه غيره ، عالم بما لا يعلمه أحد سواه .

فالآية الكريمة تدعو الناس فى كل زمان ومكان إلى تدبر القرآن الكريم وتأمل أحكامه ، والانقياد لما اشتمل عليه من توجيهات وإرشادات وأوامر ونواه ، ليسعدوا فى دنياهم وآخرتهم .