غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا} (82)

82

التفسير : لما حكي عن المنافقين ما حكى وكان السبب فيه اعتقادهم أنه صلى الله عليه وسلم غير محق في ادعاء الرسالة ، أمرهم بالتفكر والتدبر وهو النظر في عواقب الأمور وأدبارها ، ومنه قول أكثم : لا تدبروا أعجاز أمور قد ولت صدورها . ويقال في فصيح الكلام : لو استقبلت من أمري ما استدبرت . أي لو عرفت في صدره ما عرفت من عاقبته . وظاهر الآية يدل على أنه احتج بالقرآن على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإلا انقطع النظم . ودلالة القرآن على صدق النبي من ثلاثة أوجه : الفصاحة والاشتمال على الغيوب والسلامة من الاختلاف وهو المقصود من الآية . واختلف المفسرون في المراد من سلامته من الاختلاف . فقال أبو بكر الأصم : معناه أن المنافقين كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من المكايد ، والرسول كان يخبرهم عنها حالاً فحالاً . فقيل لهم : إن ذلك لو لم يحصل بإخبار الله تعالى لم يطرد صدقه ولظهر أنواع الاختلاف والتفاوت . وقال أكثر المتكلمين : المراد تجاوب معانيه وتلاؤم مقاصده مع أنه مشتمل على علوم كثيرة وفنون غزيرة ، ولو كان من عند غير الله لم يخل من تناقض واضطراب . والذي تظن به التناقض كقوله :{ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان }[ الرحمن : 39 ] مع قوله :{ لنسألنهم أجمعين }[ الحجر :92 ] أو كقوله :

{ فإذا هي ثعبان مبين }[ الشعراء :32 ] مع قوله :{ كأنها جان }[ القصص :31 ] ليس بذاك عند التدبر وملاحظة شروط التناقض من اتحاد الزمان والمكان وغيرهما وقال أبو مسلم : المراد صحة نظمه وكون كله بل كل جزء من أجزائه وأبعاضه بالغاً حد الإعجاز .

ومن المعلوم أن الإنسان وإن كان في غاية البلاغة ونهاية الفصاحة إذا كتب كتاباً طويلاً مشتملاً على المعاني الكثيرة فلا بد أن يظهر التفاوت في كلامه بحيث يكون بعضه قوياً متيناً وبعضه سخيفاً نازلاً ، ولما لم يكن القرآن كذلك علمنا أنه معجز من عند الله تعالى . وفي الآية دلالة على وجوب النظر والاستدلال أعني التدبر فيما إليه سبيل . وقال الجبائي : فيها دلالة على أن أفعال العباد غير مخلوقة لله لأن فعل العبد لا ينفك عن التفاوت والاختلاف . والجواب أنه لا يلزم من كون كلامه غير متفاوت ولا مختلف أن لا تكون أفعاله مختلفة بحسب اختلاف المظاهر والقوابل . سلمنا لكن اختلافه وهو كونه غير مطابق للأغراض والمقاصد الإنسانية قد يكون بحسب نظرنا لا بحسب الأمر نفسه .