وقوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } لو كان الحكم الظاهر المخرج على ما يقوله قوم لكان القرآن خرج مختلفا متناقضا . قال{[6051]} الله تعالى عز وجل في الآية : { لا يستئذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر }( التوبة : 44 )وقال{[6052]} في آية أخرى : { إنما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر } ( التوبة : 45 ) ( فإن ){[6053]} كن على ظاهر المخرج ، فهو مختلف . وكذلك قوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } ( البقرة : 230 ) . وقال الله عز وجل في ( الآية نفسها ){[6054]} ؟ { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } في( أول الآية ){[6055]} حظر ، وفي آخرها{[6056]} إباحة . فلو كان على ظاهر المخرج والعموم لكان مختلفا ومتناقضا . ويجد أهل الإلحاد أوضح طعن فيه وأيسر سبيل إلى القول بأنه غير منزل عند الرحمن ، إذ فيه وصفه أنه لو{ كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } وقال عز وجل { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } الآية ( فصلت : 42 )وقال عز وجل : { وإنا له لحافظون }( الحجر : 9 ) .
ثم وجد أكثر ما فيه الحكم متفرقا إلى غير المخرج ، فدل به أن الحكم لا كذلك ، ولكن لمعنى مودع{[6057]} فيه ، والمودع لا يوصل إليه{[6058]} إلا بالتدبر والتفكر فيه . وإلى هذا ندب الله عباده ليتدبروا فيه ، ليفهموا مضمونه وليعلموا{[6059]} به .
أحدهما : قوله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا }أي لو كان هذا القرآن{ من عند غير الله } لكان لا يوافق لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم من سرائرهم موافقا له ، دل أنه خبر عن الله تعالى .
والثاني : أنهم كانوا يقولون : { إن هذا إلا اختلاق } ( ص : 7 )و{ ما هذا إلا إفتك مفترى } ( سبإ : 43 ) ونحوه ، فأخبر الله عز وجل أنه لو{ كان من عند غير الله } لكان لا يوافق لما عندهم من الكتب ، بل كان مختلفا . فلما خرج هذا القرآن مستويا موافقا لسائر الكتب كقوله تعالى : { مصدقا لما معهم } ( البقرة : 91 ) و{ مصدقا لما بين يديه من التوراة } ( المائدة : 46 ) دل أنه من عند الله نزل .
ويحتمل وجها آخر ، وهو أن هذا القرآن نزل على محمد صلى الله عليه وسلم في أوقات متفرقة متباعدة على نوازل مختلفة . فلو كان من عند غير الله نزل لخرج مختلفا مناقضا بعضه بعضا . لأن حكيما من البشر لو تكلم بكليمات في أوقات متباعدة لخرج كلامه متناقضا مختلفا إلا أن يستعين رب العالمين ، ويعرض عليه ، فعند ذلك لا يتناقض{[6060]} . فلما خرج هذا ( القرآن ){[6061]} مع تباعد الأوقات غير مختلف ولا متناقض دل أنه عند الله تعالى نزل ، وبالله التوفيق .
وفيه احتجاج على الملحدة {[6062]} حين قال عز وجل { أفلا يتدبرون القرآن } إلى قوله : { اختلافا كثيرا } فلو وجدوا لأظهروا ذلك ، وقوله تعالى : { فأتوا بسورة من مثله } ( البقرة : 23 ) ولو قدروا على ذلك لأوتوا به . دل ترك إتيانهم ذلك أنهم لم يقدروا على إثيان مثله ، ولو وجدوه مختلفا{[6063]} لأظهروه ، ولو كان من كلام البشر على ما قالوا لأتوا به لأنه من البشر . فظهر أنه منزل من عند الله ، والله الموفق .
وقوله عز وجل : { أفلا يتدبرون القرآن } وقوله : { وليدبروا آياته } ( ص : 29 ) دلالة بينة على ( وجوه :
أحدها ){[6064]} : ان المقصود منه يدرك بالتأمل والتدبر ، إذ به جري الأمر والترغيب قبل وقت العمل ، بل إلزام {[6065]} القيام بما يعمل{[6066]} بالتدبر . ثم فيه وجهان :
أحدهما : أن الأمر ليس على مخرج كلام عند أهل اللسان ولا على حق الآية في اللغة أو حق مثله أن يرغب في معرفة الموقع عند أهل اللسان من المخرج ، والوجه إليه لا يدبر فيه ، والله أعلم .
والثاني{[6067]} : أن التدبر فيه حظ الحكماء وأهل البصر لا حظ العوام . وما يعرف من حيث اللسان فهو حظ الفريقين . ثبت أن على العوام اتباع الخواص في ما فهموهم والاقتداء بهم ، والله أعلم .
والثاني : أنه جعل وجه معرفة الاختلاف والاتفاق بالتدبر فيه ، لا يقرع الكلام السمع وإذا ثبت ذلك لم يلزم العمل بشيء من الظاهر حتى يعرف الموقع أنه على ذلك بالتدبر لئلا يلحق المتمسك به النقيض بالتدبر ، والله أعلم .
والوجه الثالث : بما تضمنت الاختلاف أن ارتفاع الاختلاف جعله حجة على أنه عن الله ؛ إذ علم( أن ){[6068]} الله مما جبل عليه الخلق أنه لا أحد يملك بحق الاحتراز{[6069]} لا عن علم السماع ينثى إليه عن الله خبر{[6070]} الصادقين ، ويملك{[6071]} تأليف الكلام ونظم مثله غير {[6072]} متناقض ولا مختلف ، ينفي بنفي الاختلاف ما قرن به من الكهنة ؛ إذ كذلك كلام الكهنة يخرج مختلفا وما قرن من تعليم البشر وأساطير الأولين والسحر نحو ذلك ؛ إذ كل يخرج ذلك على الاختلاف .
وفي ذلك بيان خطر جعل المخرج بحق اللسان من الاسم حجة ودليلا لما يوجد من ذلك الوجه{ اختلافا كثيرا } ولو كان من ذلك الوجه الاحتجاج لوجد الاختلاف . ومن رام أن يجعل القرآن ، لولا بيان الخبر ، موقعه على جهة قد يقع فيه الاختلاف دونه ، فهو وصف القرآن مع اجتماع الخبر بنفي الاختلاف .
وأما هو ، في نفسه مختلف ، فمثله لكل كاهن وبشر أريد ثبت التناقض ؛ أمكن لمن الندب عنه ، إن كان عنه مترجما معبرا ، يجب ضم تأويله إليه ، فيبطل أن يكون على أحد وجود اختلاف في مكان ، ويكون احتجاج العوين غنيا . جل عن ذلك . ثم ما ذكر يحتمل الأحكام والحدود والأمور والنواهي ؛ وذلك يوجب أن التناسخ والخصوص والعموم لا يكون مختلفا ، ويحتمل الإخبار والوعد والوعيد ونحو ذلك . وأعني بالإخبار ( الإخبار ){[6073]} عن الغيب وعما كان أخبر عز وجل عن شرك المنافقين وعما إليه مرجع الأمور وعما كان عنهم ونحو ذلك مما خرج كذلك ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.