الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا} (82)

قوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان . . . } [ النساء :82 ] .

المعنى : أَفلا يتدبَّر هؤلاءِ المنافقُونَ كَلاَمَ اللَّه تعالى ، فتظهر لهم براهِينُهُ ، وتلُوح لهم أدلَّته .

قُلْتُ : اعلم ( رحمك اللَّه تعالى ) ، أنَّ تدبُّر القرآن كفيلٌ لصاحبه بكُلِّ خير ، وأما الهَدْرَمَة والعَجَلَةُ ، فتأثيرُها في القَلْب ضعيفٌ ، قال النوويُّ ( رحمه اللَّه ) : وقد كَرِهَ جماعةٌ من المتقدِّمين الخَتْمَ فِي يومٍ وليلةٍ ، ويدلُّ عليه ما روينَاهُ بالأسانيدِ الصَّحيحة في سُنَن أبي دَاوُد ، والتِّرمذيِّ ، والنَّسَائِيِّ وغيرها ، عن عبد اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنَ العَاصِ ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ ) ، انتهى .

قال ( ع ) : والتدبُّر هو النظر في أعقابِ الأُمُور وتأويلاتِ الأشياءِ ، هذا كلُّه يقتضيه قولُهُ سبحانه : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان }[ النساء :82 ] ، وهذا أمرٌ بالنَّظَرِ والاستدلال ، ثم عَرَّف تعالى بِمَوْقِعِ الحُجَّة ، أي : لو كان مِنْ كلامِ البَشَر ، لَدَخَلَهُ مَا فِي البَشَرَ من القُصُور ، وظهر فيه التناقُضُ والتنافِي الَّذي لا يُمْكِنُ جَمْعُه ، إذ ذلك موجودٌ في كلامِ البَشَرِ ، والقرآنُ منزَّه عنه ، إذ هو كلامُ المحيطِ بِكُلِّ شيء سبحانه .

قال ( ع ) : فإن عرضَتْ لأحدٍ شبهةٌ ، وظنَّ اختلافا في شَيْءٍ مِنْ كتابِ اللَّه ، فالواجبُ أنْ يتَّهم نَظَرَهُ ، ويسأَلَ مَنْ هو أعلَمُ منه .