فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا} (82)

الهمزة في قوله : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } للإنكار ، والفاء للعطف على مقدّر ، أي : أيعرضون عن القرآن ، فلا يتدبرونه . يقال تدبرت الشيء : تفكرت في عاقبته وتأملته ، ثم استعمل في كل تأمل ، والتدبير : أن يدبر الإنسان أمره كأنه ينظر إلى ما تصير إليه عاقبته ، ودلت هذه الآية ، وقوله تعالى : { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [ محمد : 24 ] على وجوب التدبر للقرآن ؛ ليعرف معناه . والمعنى : أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفاً غير مختلف ، صحيح المعاني ، قوي المباني ، بالغاً في البلاغة إلى أعلى درجاتها { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافا كَثِيراً } أي : تفاوتاً وتناقضاً ، ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات ، والسور ؛ لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت ، وعدم المطابقة للواقع ، وهذا شأن كلام البشر لا سيما إذا طال ، وتعرّض قائله للإخبار بالغيب ، فإنه لا يوجد منه صحيحاً مطابقاً للواقع إلا القليل النادر .

/خ83