فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا} (82)

{ أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } وصى الله العباد أن يتأملوا الذكر الحكيم وبيناته ، ويعملوا العقل في برهانه ودلالاته ، ليستيقنوا بصدقه ويستقيموا على هداياته ، يقول مولانا في محكم التنزيل : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب( {[1476]} ) ، ويحض على التبصر والاعتبار : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) ( {[1477]} ) ، ويثني على الصفوة الأبرار بأنهم يصحبون الفرقان صحبة تفهم وتقديس وإذعان ، ( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ) ( {[1478]} ) . ولكنهم يقاظ القلوب ، فهام العقول ، يفهمون عن الله ما يذكرهم به ، ويفهمون عنه ما ينبههم عليه ، فيوعون مواعظه آذانا سمعته ، وقلوبا وعته-( {[1479]} ) ؛ وهكذا لا يدعون آياته سبحانه إلى غيرها ؛ وليسوا كالمنافقين الذين يظهرون الحرص الشديد على استماعها وهم كالصم والعميان ، لا يعونها ولا يبصرون ما فيها ، فهم متساقطون عليها ، غير منتفعين بها ؛ مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن : وظاهر الآية يدل على أنه احتج بالقرآن على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإلا انقطع النظم ، ودلالة القرآن على صدق النبي من ثلاثة أوجه : الفصاحة ، والاشتمال على الغيوب ، والسلامة من الاختلاف( {[1480]} ) – وهو المقصود من الآية- ، . . . ، المراد : صحة نظمه ، وكون كله بل كل جزء من أجزائه وأبعاضه بالغا حد الإعجاز ، ومن المعلوم أن الإنسان وإن كان في غاية البلاغة ونهاية الفصاحة إذا كتب كتابا مشتملا على المعاني الكثيرة فلا بد أن يظهر التفاوت في كلامه ، . . . . ولما لم يكن القرآن كذلك علمنا أنه معجز من عند الله تعالى ؛ وفي الآية دلالة على وجوب النظر والاستدلال ؛ وأضاف بعضهم : ودلت هذه الآية وقوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ( {[1481]} ) ، على وجوب التدبر في القرآن ليعرف معناه ؛ فكان في هذا رد على فساد قول من قال : لا يؤخذ من تفسيره إلا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنع أن يُتأول على ما يسوغه لسان العرب ، وفيه دليل على الأمر بالنظر والاستدلال وإبطال التقليد ، وفيه دليل على إثبات القياس .


[1476]:سورة ص. الآية 29.
[1477]:سورة القمر. الآية 17.
[1478]:سورة الفرقان. الآية 73.
[1479]:من جامع البيان.
[1480]:ثم تابع يقول: واختلف المفسرون في المراد من سلامته من الاختلاف، فقال أبو بكر الأصم: معناه أن المنافقين كانوا يتواطؤون في السر على أنواع كثيرة من المكايد، والرسول كان يخبرهم عنها حالا فحالا، فقيل لهم: إن ذلك لو لم يحصل بإخبار الله تعالى لم يطرد صدقه، ولظهر أنواع الاختلاف والتفاوت؛ وقال أكثر المتكلمين: المراد: تجاوب معانيه وتلاؤم مقاصده، مع أنه مشتمل على علوم كثيرة وفنون غزيرة ولو كان من عند غير الله لم يخل من تناقض واضطراب، والذي تظن به التناقض كقوله:(لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) مع قوله:( لنسألنهم أجمعين) أو كقوله:(..فإذا هي ثعبان مبين) مع قوله:( كأنها جان..) ليس بذاك عند التدبر وملاحظة شروط التناقض: من اتحاد الزمان والمكان وغيرهما.
[1481]:سورة محمد. الآية 24.