معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ} (22)

قوله تعالى : { قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين } ، وذلك أن النقباء الذين خرجوا يتجسسون الأخبار لما رجعوا إلى موسى وأخبروه بما عاينوا ، قال لهم موسى : اكتموا شأنهم ، ولا تخبروا به أحداً من أهل العسكر فيفشلوا ، فأخبر كل رجل منهم قريبه وابن عمه ، إلا رجلان وفيا بما قال لهما موسى ، أحدهما يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف عليهم السلام فتى موسى ، والآخر كالب بن يوفنا ختن موسى عليه السلام على أخته مريم بنت عمران ، وكان من سبط يهود ، وهما النقباء ، فعلمت جماعة من بني إسرائيل ذلك ، ورفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا : يا ليتنا متنا في أرض مصر ، أو ليتنا نموت في هذه البرية ، ولا يدخلنا الله أرضهم ، فتكون نساؤنا ، وأولادنا ، وأثقالنا ، غنيمةً لهم . وجعل الرجل يقول لصاحبه : تعال نجعل علينا رأسا وننصرف إلى مصر ، فذلك قوله تعالى إخباراً عنهم { قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين } .

قوله تعالى : { وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون } ، أصل الجبار المتعظم ، الممتنع عن القهر ، يقال : نخلة جبارة إذا كانت طويلة ، ممتنعة عن وصول الأيدي إليها ، وسمى أولئك القوم جبارين لامتناعهم بطولهم ، وقوة أجسادهم ، وكانوا من العمالقة ، وبقية قوم عاد ، فلما قال بنو إسرائيل ما قالوا وهموا بالانصراف إلى مصر ، خر موسى وهارون ساجدين ، وخرق يوشع وكالب ثيابهما ، وهما اللذان أخبر الله تعالى عنهما في قوله . { قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب } .