جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن جواب قوم موسى عليه السلام، إذا أمرهم بدخول الأرض المقدسة، أنهم أبوا عليه إجابة إلى ما أمرهم به من ذلك، واعتلّوا عليه في ذلك بأن قالوا: إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا بدخولها قوما جبارين لا طاقة لنا بحربهم ولا قوّة لنا بهم. وسموهم جبارين، لأنهم كانوا بشدّة بطشهم وعظيم خلقهم فيما ذُكر لنا قد قهروا سائر الأمم غيرهم. وأصل الجبار: المصلح أمر نفسه وأمر غيره، ثم استعمل في كل من اجترّ نفعا إلى نفسه بحقّ أو باطل، طلب الإصلاح لها حتى قيل للمتعدي إلى ما ليس له بغيا على الناس وقهرا لهم وعتوّا على ربه: جبار، وإنما هو فعّال من قولهم: جبر فلان هذا الكسر إذا أصلحه ولأمه... ومن أسماء الله تعالى ذكره الجبار، لأنه المصلح أمر عباده القاهر لهم بقدرته.
"إنّا لَنْ نَدْخُلَها حتى يَخْرُجُوا مِنْها فإنْ يَخْرُجُوا مِنْها فإنّا داخِلونَ":
وهذا خبر من الله عزّ ذكره عن قول قوم موسى لموسى جوابا لقوله لهم: "ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدّسَة التي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ "فقالوا: "إنّا لَنْ نَدْخُلَها حتى يَخْرُجُوا مِنْها "يعنون: من الأرض المقدسة الجبارون الذين فيها، جبنا منهم وجزعا من قتالهم. وقالوا له: إن يخرج منها هؤلاء الجبارون دخلناها، وإلاّ فإنا لا نطيق دخولها وهم فيها، لأنه لا طاقة لنا بهم ولا يد.
{إنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ}: فإنه قد قيل إن الجبّار هو من الإجبار على الأمر وهو الإكراه عليه، وجَبَرَ العظم لأنه كالإكراه على الصلاح، والجُبَارُ هَدْرُ الأرْش لأن فيه معنى الكرْه، والجبار من النخل ما فات اليد طولاً لأنه كالجبّار من الناس، والجبّارُ من الناس الذي يُجْبِرُهم على ما يريد. والجبّارُ صفةُ مَدْحٍ لله تعالى وهو ذمّ في صفة غيره؛ لأن غيره يتعظّم بما ليس له والعظمةُ لله عز وجل وحده الجبّار المتعظّم بالاقتدار؛ ولم يزل الله جبّاراً، والمعنى أن ذاته يدعو العارف به إلى تعظيمه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لاحظوا الأغيار بعين الحسبان فتوهموا أن شيئاً من الحدثان، وداخلتهم هواجمُ الرعبِ فأصروا على ترك الأمر. ومَنْ طالع الأغيار بأنوار البصائر شاهدهم في أَسْرِ التقدير قوالبَ متعريةً عن إمكان الإيجاد، ولم يقع على قلبه ظلُّ التُّوهم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم ذكر عز وجل عن بني إسرائيل أنهم تعنتوا ونكصوا فقالوا {إن فيها قوماً جبارين}. والجبار فعال من الجبر كأنه لقوته وغشمه وبطشه يجبر الناس على إرادته، والنخلة الجبارة العالية التي لا تنال بيد، وكان من خبر الجبارين أنهم كانوا أهل قوة فلما بعث «موسى» الاثني عشر نقيباً مطلعين على أمر الجبارين وأحوالهم رأوا لهم قوة وبطشاً وتخيلوا أن لا طاقة لهم بهم، فجاؤوا بني إسرائيل ونقضوا العهد في أن أخبروهم بحال {الجبارين} حسبما قدمناه في ذكر بعث النقباء، ولم يف منهم إلا يوشع بن نوف وكالب بن يوفنا، ثم إن بني إسرائيل كعوا وجبنوا وقالوا: كوننا عبيداً للقبط أسهل من قتال هؤلاء، وهَّم كثير منهم أن يقدموا رجلاً على أنفسهم ويصير بهم إلى أرض مصر مرتدين على الأعقاب، ونسوا أن الله تعالى إذا أيد الضعيف غلب القوي وأخبروا موسى أنهم لن يدخلوا الأرض ما دام الجبارون فيها، وطلبوا منه أن يخرج الله الجبارين بجند من عنده وحينئذ يدخل بنو إسرائيل.
ثم قال القوم {وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} وإنما قالوا هذا على سبيل الاستبعاد كقوله تعالى: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط}.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها} هذا تصريح بالامتناع التام من أن يقاتلوا الجبابرة، ولذلك كان النفي بلن. ومعنى حتى يخرجوا منها: بقتال غيرنا، أو بسبب يخرجهم الله به فيخرجون. {فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} وهذا توجيه منهم لأنفسهم بخروج الجبارين منها، إذ علقوا دخولهم على شرط ممكن وقوعه.
وقال أكثر المفسرين: لم يشكوا فيما وعدهم الله به، ولكن كان نكوصهم عن القتال من خور الطبيعة والجبن الذي ركبه الله فيهم، ولا يملك ذلك إلا من عصمه الله وقال تعالى: {فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان هذا السياق محركاً للنفس إلى معرفة جوابهم عنه، أورده على تقدير سؤال من كأنه قال: إن هذا لترغيب مشوق وترهيب مقلق، فما قالوا في جوابه؟ فقال: {قالوا} معرضين عن ذلك كله بهمم سافلة وأحوال نازلة، مخاطبين له باسمه جفاء وجلافة وقلة أدب {يا موسى} وأكدوا قولهم تأكيد من هو محيط العلم، فقالوا مخاطبين بجرأة وقلة حياء لأعلم أهل زمانه: {إن فيها} أي دون غيرها {قوماً جبارين} أي عتاة قاهرين لغيرهم مكرهين له على ما يريدون {وإنا لن ندخلها} خوفاً منهم {حتى يخرجوا منها} ثم صرحوا بالإتيان بالجملة الاسمية المؤكدة بتهالكهم على الدخول وأنه لا مانع لهم إلا الجبن فقالوا: {فإن يخرجوا منها} أي بأي وجه كان، وعبروا بأداة الشك مع إعلام الله لهم بإهلاكهم على أيديهم جلافة منهم وعراقة طبع في التكذيب {فإنا داخلون *}
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون} كان استعباد المصريين لبني إسرائيل قد أذلهم وأفسد عليهم بأسهم، وكان بنو عناق الذين يسكنون أمامهم في أدنى الأرض المقدسة أولي قوة وأولي بأس شديد، وكانوا كبار الأجسام، طوال القامات، وهو المراد من كلمة جبارين.
فالجبار يطلق في اللغة على الطويل القوي والمتكبر والقتال بغير حق والعاتي المتمرد والذي يجبر غيره على ما يريد والقاهر المتسلط والملك العاتي. وكله مأخوذ من المجاز في أساسه، لأن الصيغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل من جبره على الشيء كأجبره. والصواب أن الأصل في الألفاظ أن تكون موضوعة للأجسام ولما يدرك بالحواس، ويتفرع عنها ما وضع للمعاني وما يدرك بالعقل والاستنباط. وقد رجعت بعد جزمي بما ذكرت إلى لسان العرب فإذا هو ينقل مثله وما يؤيده. ذكر الآية وقال: قال اللحياني أراد الطول والقوة والعظم، قال الأزهري كأنه ذهب به إلى الجبار من النخيل، وهو الطويل الذي فات يد التناول. ويقال جبار إذا كان طويلا عظيما قويا، تشبيها بالجبار. اه. وقال الراغب: أصل الجبر إصلاح الشيء بضرب من القهر.
هذا قول أكثر أهل اللغة – إلى أن قال – والجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بشيء من التعالي لا يستحقها، وهذا لا يقال إلا على طريقة الذم. وذكر عدة آيات فيها الآية التي نفسرها، ثم قال: ولتصوير القهر بالعلو على الأقران قيل نخلة جبارة وناقة جبارة اه، وكأنه أراد أن يجمع بين المعنيين لمادة الجبر – معنى العلو والقوة ومعنى جبر الكسر وجبر الجرح وتجبيره، وما أخذ منه كجبر المصيبة بالتعويض عما فقد، وجبر الفقير بإغنائه – وكل هذه المعاني تدخل في معنى جبار النخل الذي هو القوة والنماء والطول.
والجبار من أسماء الله تعالى فيه معنى العظمة والقوة والعلو على خلقه وكونه لا يمكن أن يناله أحد بتأثير ما، ومعنى جبر القلب الكسير، وإغناء البائس الفقير، ومعنى جبر الخلق بما وضعه من السنن الحكيمة أو المقادير المنتظمة على ما أراده من التدبير، وهو العليم الخبير. وهو مثل اسم المتكبر مدح للخالق وذم للمخلوق، إذ ليس لمخلوق أن يبالغ في معنى الجبر وهو العظمة والعلو والامتناع، كما أنه ليس له أن يتكبر بأن يظهر للناس المرة بعد المرة أنه كبير الشأن، ولو بالحق، فكيف إذا كان ذلك يتكبر وإنما يتعمد ذلك ويتوخاه من يشعر بصغار نفسه في باطن سره، فيحمله حب العلو على تكلف إخفاء هذا الصغار بما يتكلفه من إظهار كبره، فيكون من خلقه أن لا يخضع للحق ولا يقدر الناس قدرهم، لأن جعله نفسه أكبر من الحق ومن الناس فلا يرضى أن يكونا فوقه. ولذلك فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر بهذا المعنى الذي هو موضع النقص وسبب المؤاخذة فقال: (الكبر من بطر الحق وغمط الناس) 78 رواه أبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة بسند صحيح. وأما تكبير الخالق عز وجل وهو إظهار كبريائه وعظمته لعباده المرة بعد المرة فهو – على كونه لا يكون إلا حقا لأنه تعالى أكبر من كل شيء وأعظم – تربية لهم وتغذية لإيمانهم، يوجه قلوبهم إلى الكمال الأعلى فيقوى استعدادهم لتكميل أنفسهم وعرفانهم بها، فيكونون أحقاء بألا يرفعوها عن مكانها بالباطل، ولا يسفهوها فيرضوا لها بالخسائس. وإنما أطلنا في تفسير كلمة جبارين واستطردنا إلى اسم الجبار والمتكبر من أسماء الله تعالى لما نعلمه من ضلال بعض الناس في فهم الاسمين الكريمتين.
أما ما روي في التفسير المأثور من وصف هؤلاء الجبارين فأكثره من الإسرائيليات الخرافية التي كان يبثها اليهود في المسلمين، فرووها من غير عزو إليهم، كقولهم إن العيون الاثني عشر الذين بعثهم موسى إلى ما وراء الأردن ليتجسسوا ويخبروه بحال تلك الأرض ومن فيها قبل أن يدخلها قومه، رآهم أحد الجبارين فوضعهم كلهم في كسائه أو حجزته، وفي رواية كان أحدهم يجني الفاكهة فكان كلما أصاب واحدا من هؤلاء العيون وضعه في كمه مع الفاكهة. وفي رواية أن سبعين رجلا من قوم موسى استظلوا في ظل خف رجل من هؤلاء العماليق. وأمثل ما روي في ذلك وأصدقه قول قتادة عند عبد الرازق وعبد بن حميد في قوله تعالى: (إن فيها قوما جبارين) قال: هم أطول منا أجسامنا وأشد قوة. وأفرطوا في وصف فاكهتهم كما فرطوا في وصفهم، فروى ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى: (اثنى عشر نقيا) الذي مر تفسيره: أرسلهم موسى إلى الجبارين فوجدوهم يدخل في كم أحدهم اثنان منكم، ولا يحمل عنقود عنبهم إلا خمسة أنفس بينهم في خشبة، ويدخل في شطر الرمانة إذا نزع حبها خمسة أنفس أو أربعة.
وهذه القصة مبسوطة في الفصل الثالث عشر والرابع عشر من سفر العدد الذي هو السفر الرابع من أسفار التوراة... وذكر في الفصل الذي بعده تذمر بني إسرائيل من أمر موسى لهم بدخول تلك الأرض وإنهم بكوا وتمنوا لو أنهم ماتوا في أرض مصر أو في البرية...
فأنت ترى أنه ليس في الرواية المعتمدة عند بني إسرائيل تلك الخرافات التي بثوها بين المسلمين في العصر الأول وإنما فيها من المبالغة أنهم لخوفهم ورعبهم من الجبارين احتقروا أنفسهم حتى رأوها كالجراد واعتقدوا أن الجبارين رأوهم كذلك، وأما حمل زرجون العنب والفاكهة بين رجلين فلا يدل على مبالغة كبيرة في عظمها وقد يكون سبب ذلك حفظها لطول المسافة.
والعبرة في هذه الروايات الإسرائيلية التي راجت عند كثير من علماء التفسير والتاريخ وقل من صرح ببطلانها، أو الرجوع إلى كتب اليهود المعتمدة ليقفوا على المعتمد عليه عندهم فيها، إذا لم يقفوا عندما بينه القرآن، من أخبار الأنبياء والأقوام، هي أنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ما جاء به عن بعض أهل الكتاب – كما يزعم بعضهم وبعض الملاحدة – لكان ما جاء به نحو ما يذكره هؤلاء الرواة الذين غشهم اليهود، مع أنه كان يسهل عليهم من الاطلاع على كتبهم، والتمييز بين حكايتهم عن اعتقادهم وبين كذبهم، ما لا يسهل على الرجل الأمي في مثل مكة التي لم يكن فيها يهود ولا كتب، وأكثر أخبار الأنبياء والأمم في السور المكية.
وملخص معنى الآية أن موسى لما قرب بقومه من حدود الأرض المقدسة العامرة الآهلة أمرهم بدخولها، مستعدين لقتال من يقاتلهم من أهلها، وأنهم لما غلب عليهم من الضعف والذل باضطهاد المصريين لهم وظلمهم إياهم، أبوا وتمردوا واعتذروا بضعفهم وقوة أهل تلك البلاد، وحاولوا الرجوع إلى مصر، (كما كان بعض العبيد يرجعون باختيارهم إلى خدمة سادتهم في أمريكة بعد تحريرهم كلهم ومنع الاسترقاق بقوة الحكومة، لأنهم ألفوا تلك الخدمة والعبودية وصارت العيشة الاستقلالية شاقة عليهم) وقالوا لموسى إنا لن ندخل هذه الأرض ما دام هؤلاء الجبارين فيها، كأنهم يريدون أن يخرجهم منها بقوة الخوارق والآيات لتكون غنيمة باردة لهم، وجهلوا أن هذا يستلزم أن يبقوا دائما على ضعفهم وجبنهم، وأن يعيشوا بالخوارق والعجائب ما داموا في الدنيا، لا يستعملون قواهم البدنية ولا العقلية في دفع الشر عن أنفسهم، ولا في جلب الخير لها، وحينئذ يكونون أكفر الخلق بنعم الله، فكيف يؤيدهم بآياته طول الحياة! والحكمة في مثل هذا التأييد أن يكون لبعض أصفياء الله تعالى مؤقتا بقدر الضرورة والسنة العامة فهو كالدواء بالنسبة إلى الغذاء. وقولهم: (فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) تأكيد لمفهوم ما قبله مؤذن بأنه لا علة لامتناعهم إلا ما ذكروه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
...ولكن إسرائيل.، هي إسرائيل!!! الجبن. والتمحل. والنكوص على الأعقاب. ونقض الميثاق: (قالوا: يا موسى إن فيها قوما جبارين؛ وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون). إن جبلة يهود لتبدو هنا على حقيقتها، مكشوفة بلا حجاب ولو رقيق من التجمل. ذلك أنهم أمام الخطر؛ فلا بقية إذن من تجمل؛ ولا محاولة إذن للتشجع، ولا مجال كذلك للتمحل. إن الخطر ماثل قريب؛ ومن ثم لا يعصمهم منه حتى وعد الله لهم بأنهم أصحاب هذه الأرض، وأن الله قد كتبها لهم -فهم يريدونه نصرا رخيصا، لا ثمن له، ولا جهد فيه. نصرا مريحا يتنزل عليهم تنزل المن والسلوى! (إن فيها قوما جبارين.. وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها.. فإن يخرجوا منها فإنا داخلون).. ولكن تكاليف النصر ليست هكذا كما تريدها يهود! وهي فارغة القلوب من الإيمان!
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
..صح ما توقعه موسى عليه السلام منهم، وما نهاهم عنه، إذ إن روح التردد والهزيمة قد ملك قلوبهم واستولى على نفوسهم فقرروا له أنهم لن يدخلوا، لأن فيها قوما جبارين...
امتنع بنو إسرائيل عن القتال وأكدوا المنع بثلاث تأكيدات: أولها: في ندائهم بقولهم يا موسى فإن ذلك النداء فيه نوع من التذليل والاستغاثة ليسكت عنكم. ثانيها: وصفهم لخصومهم بأنهم جبارون أي أقوياء قاهرون، وأول الوهن الذي يعتري النفوس أن يشعر المجاهد بضعفه أمام خصمه. ثالثها: أنهم أكدوا النفي بقولهم "لن ندخلها "فهذا التعبير ب "لن" فيه تأكيد للنفي، وجعل غاية النفي أن يخرج هؤلاء منها، وهم أقوياء فمن يخرجهم فكأن هذا نفي مؤبد، وهم لا يريدون قتالا ولذلك قالوا من بعد ذلك النفي {فإن يخرجوا منها فإنا داخلون}. وهذا يدل على أنهم لا يريدون قتالا، بل لا يريدون دخولا لأن احتمال خروجهم بعيد، ولذلك كان التعبير ب"إن" الشرطية التي تفيد الشك في الخروج والتعبير بالوصف في قولهم: {فإنا داخلون} يدل على إرادة الدخول من غير عمل يعملونه، ومن غير معاناة ومجاهدة..
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وكان على بني إِسرائيل أن يحرروا تلك الأرض بكفاحهم وتضحياتهم، أمّا لو أنّ الأعداء تركوا الأرض المقدسة أو أبيدوا فيها بمعجزة على خلاف السنة الإِلهية الطبيعية، فإِن بني إِسرائيل بدخولهم إِليها في مثل هذه الحالة دون أي عناء أو مشقة كانوا سيواجهون العجز في إِدارة تلك الأرض الواسعة الغنية، ولم يكونوا ليبدوا أيّ اهتمام بالحفاظ على شيء حصلوا عليه دون جهد أو معاناة، فلا يظهر لديهم والحالة هذه أي استعداد أو كفاءة لعمل ذلك.