روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ} (22)

{ قَالُواْ ياموسى إنَّ فيهَا قَوْماً جَبَّارينَ } شديدي البطش متغلبين لا تتأتى مقاومتهم ولا تجز لهم ناصية ، والجبار صيغة مبالغة من جبر الثلاثي على القياس لا من أجبره على خلافه كالحساس من الإحساس وهو الذي يقهر الناس ويكرههم كائناً من كان على ما يريده كائناً ما كان ، ومعناه في البخل ما فات اليد طولاً ، وكان هؤلاء القوم من العمالقة بقايا قوم عاد وكانت لهم أجسام ليست لغيرهم ، أخرج ابن عبد الحكم في «فتوح مصر » عن ابن حجيرة قال : استظل سبعون رجلاً من قوم موسى عليه السلام في قحف رجل من العمالقة ، وأخرج البيهقي في «شعب الإيمان » عن زيد بن أسلم قال : بلغني أنه رؤيت ضبع وأولادها رابضة في فجاج عين رجل منهم إلى غير ذلك من الأخبار ، وهي عندي كأخبار عوج بن عنق وهي حديث خرافة .

{ وَإنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُواْ منْهَا } بقتال غيرنا ، أو بسبب يخرجهم الله تعالى به فإنه لا طاقة لنا بإخراجهم منها ، وهذا امتناع عن القتال على أتم وجه { فَإن يَخْرُجُواْ منْهَا } بسبب من الأسباب التي لا تعلق لنا بها { فَإنَّا دَاخلُونَ } فيها حينئذ ، وأتوا بهذه الشرطية مع كون مضمونها مفهوماً مما تقدم تصريحاً بالمقصود وتنصيصاً على أن امتناعهم من دخولها ليس إلا لمكانهم فيها ، وأتوا في الجزاء بالجملة الإسمية المصدرة بإن دلالة على تقرر الدخول وثباته عند تحقق الشرط لا محالة وإظهاراً لكمال الرغبة فيه وفي الامتثال بالأمر .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ قَالُواْ يا موسى إن فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } وهي صفات النفس { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا } بأن يصرفهم الله تعالى بلا رياضة منا ولا مجاهدة ، أو يضعفوا عن الاستيلاء بالطبع { فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا داخلون } [ المائدة : 22 ] حينئذٍ