البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ} (22)

{ قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين } أي : قال النقباء الذين سيرهم موسى لكشف حال الجبابرة ، أو قال رؤساؤهم الذين عادتهم أن يطلعوا على الأسرار وأن يشاوروا في الأمور .

وهذا القول فيه بعد لتقاعسهم عن القتال أي : أنّ فيها من لا نطيق قتالهم .

قيل : هم من بقايا عاد ، وقيل : من الروم من ولد عيص بن إسحاق .

وقرأ ابن السميفع : قالوا يا موسى فيها قوم جبارون .

{ وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها } هذا تصريح بالامتناع التام من أن يقاتلوا الجبابرة ، ولذلك كان النفي بلن .

ومعنى حتى يخرجوا منها : بقتال غيرنا ، أو بسبب يخرجهم الله به فيخرجون .

{ فإن يخرجوا منها فإنا داخلون } وهذا توجيه منهم لأنفسهم بخروج الجبارين منها ، إذ علقوا دخولهم على شرط ممكن وقوعه .

وقال أكثر المفسرين : لم يشكوا فيما وعدهم الله به ، ولكن كان نكوصهم عن القتال من خور الطبيعة والجبن الذي ركبه الله فيهم ، ولا يملك ذلك إلا من عصمه الله وقال تعالى : { فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم } وقيل قالوا ذلك على سبيل الاستبعاد أن يقع خروج الجبارين منها كقوله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط .