أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

{ لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين } قيل : كان هابيل أقوى منه ولكن تحرج عن قتله واستسلم له خوفا من الله سبحانه وتعالى لأن الدفع لم يبح بعد ، أو تحريا لما هو الأفضل قال عليه الصلاة والسلام : " كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل " . وإنما قال : { ما أنا بباسط } في جواب { لئن بسطت } للتبري عن هذا الفعل الشنيع رأسا ، والتحرز من أن يوصف به ويطلق عليه ولذلك أكد النفي بالباء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (28)

قوله : { لئن بسطتّ إليّ يدك لتقتلني } الخ موعظة لأخيه ليذكّره خطر هذا الجرم الّذي أقدم عليه . وفيه إشعار بأنّه يستطيع دفاعه ولكنّه منعه منه خوفُ الله تعالى . والظاهر أنّ هذا اجتهاد من هابيل في استعظام جُرم قتل النّفس ، ولو كان القتل دفاعاً . وقد عَلم الأخوان ما هو القتل بما يعرفانه من ذبح الحيوان والصّيد ، فكان القتل معروفاً لهما ، ولهذا عزم عليه قابيل ، فرأى هابيل للنّفوس حرمة ولو كانت ظالمة ، ورأى في الاستسلام لطالب قتله إبقاء على حفظ النّفوس لإكمال مراد الله من تعمير الأرض . ويمكن أن يكونا تلقّيا من أبيهما الوصاية بحفظ النّفوس صغيرها وكبيرها ولو كان في وقت الدّفاع ، ولذلك قال : { إنّي أخاف الله ربّ العالمين } . فقوله : { إنّي أخاف الله } يدلّ على أنّ الدّفاع بما يفضي إلى القتل كان محرّماً وأنّ هذا شريعة منسوخة لأنّ الشّرائع تبيح للمُعتدَى عليه أن يدافع عن نفسه ولو بقتل المعْتدي ، ولكنّه لا يتجاوز الحدّ الّذي يحصل به الدّفاع .

وأمّا حديث « إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار » فذلك في القتال على المُلْك وقصد التغالب الّذي ينكفّ فيه المعتدي بتسليم الآخر له ؛ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصْلَح الفريقين بالتّسليم للآخر وحمل التَبِعَة عليه تجنّباً للفتنة ، وهو الموقف الّذي وقفه عثمان رضي الله عنه رجاء الصلاح .