أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ} (47)

{ فلا تحسبن الله مُخلفَ وعدِه رُسلَه } مثل قوله : { إنا لننصر رسلنا } { كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي } وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني إيذانا بأنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله : { إن الله لا يخلف الميعاد } وإذا لم يخلف وعده أحدا فكيف يخلف رسله . { إن الله عزيز } غالب لا يماكر قادر لا يدافع . { ذو انتقام } لأوليائه من أعدائه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ} (47)

وقوله : { فلا تحسبن الله } الآية ، تثبيت للنبي عليه السلام ولغيره من أمته ، ولم يكن النبي عليه السلام ممن يحسب مثل هذا ، ولكن خرجت العبارة هكذا ، والمراد بما فيها من الزجر من شارك النبي عليه السلام في أن قصد تثبيته .

وقرأ جمهور الناس «مخلف وعده » بالإضافة ، «رسلَه » بالنصب ، وإضافة «مخلف » إلى الوعد ، إذ للإخلاف تعلق بالوعد على تجوز ، وإنما حقيقة تعلقه بالرسل ، وهذا نحو قول الشاعر : [ الطويل ]

ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه . . . وسائره باد إلى الشمس أجمع{[7104]}

وكقولك : هذا معطي درهم زيداً . وقرأت فرقة : «مخلف وعدَه رسلِه » بنصب الوعد وخفض الرسل ، على الإضافة ، وهذه القراءة ذكرها الزجاج وضعفها ، وهي تحول بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، وهي كقول الشاعر : [ مجزوء الكامل ]

فزججتها بمزجّة . . . زج القلوص أبي مزادة

وأما إذا حيل في نحو هذا بالظرف فهو أشهر في الكلام كما قال الشاعر :

لله در اليوم من لامها{[7105]} . . . وقال آخر : [ الوافر ]

كما خط الكتاب بكفِّ يوماً . . . يهوديٍّ يقارب أو يزيل{[7106]}

والمعنى : لا تحسب يا محمد - أنت ومن اعتبر بالأمر من أمتك وغيرهم - أن الله لا ينجز ميعاده في نصره رسله ، وإظهارهم ، ومعاقبة من كفر بهم ، في الدنيا أو في الآخرة ، فإن الله عزيز لا يمتنع منه شيء ، ذو انتقام من الكفرة لا سبيل إلى عفوه عنهم .


[7104]:استشهد الفراء بهذا البيت في "معاني القرآن"، وكذلك استشهد به الطبري، وأبو حيان في "البحر"، ولم ينسبه أحد منهم، قال الفراء: "فأضاف (مدخل) إلى (الظل)، و كان الوجه أن يضيف (مدخل) إلى الرأس"، و من كلامه هنا : "إذا كان الفعل يقع على شيئين مختلفين مثل: كسوتك الثوب، وأدختلك الدار، فابدأ بإضافة الفعل إلى الرجل، فتقول: هو كاسي عبد الله ثوبا، و مدخل الدار زيدا، ومنه قول الشاعر "ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه". . . البيت. و مثله: فرشني بخير لا أكونن و مدحتي كناحت يوم صخرة بعسيل والشاهد أنه أضاف (ناحت) إلى (يوم)، ونصب (صخرة)، ومعنى رشني: انفعني، والعسيل: مكنسة العطار، وهي من شعر يكنس به العطار الطيب، والمراد أنه لا فائدة فيه كمن ينحت الصخرة بهذه المكنسة الناعمة.
[7105]:أصل الكلام: لله در من لامها اليوم، لكن الشاعر فصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وهو "اليوم"، وهو كثير في كلام العرب.
[7106]:هو كالشاهد السابق في الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف وهو "يوما"، وأصل الكلام: خط الكتاب بكف يهودي يوما.