أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

{ حتى إذا ما جاؤوها } إذا حضروها و { ما } مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور . { شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون } بأن ينطقها الله تعالى ، أو يظهر عليها آثارا تدل على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

و : { حتى } غاية لهذا الحشر المذكور ، وهذا وصف حال من أحوالهم في بعض أوقات القيامة ، وذلك عند وصولهم إلى جهنم فإن الله تعالى يستقرهم عند ذلك على أنفسهم ويسألون سؤال توبيخ عن كفرهم فينكرون ذلك ويحسبون أن لا شاهد عليهم ، ويظنون السؤال سؤال استفهام واستخبار ، فينطق الله تعالى جوارحهم بالشهادة عليهم ، فروي عن النبي عليه السلام «أن أول ما ينطق من الإنسان فخذه الأيسر ثم تنطق الجوارح ، » فيقول الكافر : تباً لك أيها الأعضاء ، فعنك كنت أدافع{[10059]} . وفي حديث آخر : «يجيئون يوم القيامة على أفواههم الفدام فيتكلم الفخذ والكف »{[10060]} .


[10059]:أخرج ابن جرير عن عقبة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول عظم يتكلم من الأسنان يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال). وأخرج أيضا عن أنس قال: (ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا تسألوني مم ضحكت؟ قالوا: مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة، قال: يقول: يا رب أليس وعدتني ألا تظلمني؟ قال: فإن لك ذلك، قال: فإني لا أقبل علي شاهدا إلا من نفسي، قال: أو ليس كفى بي شهيدا وبالملائكة الكرام الكاتبين؟ قال: فيختم على فيه، وتتكلم أركانه بما كان يعمل، قال: فيقول لهن: بعدا لكن وسحقا، عنكن كنت أجادل)، وفي ابن كثير أن الحافظ أبا بكر البزار أخرجه عن أنس أيضا، وان مسلم والنسائي أخرجاه عن الثوري، وزاد السيوطي نسبته إلى ابن أبي الدنيا في التوبة، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، وأخرج مثله مسلم، والترمذي، وابن مردويه، والبيهقي، عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما.
[10060]:أخرجه عبد الرزاق، وأحمد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وصححه، والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه، ولفظه كما في الدر المنثور: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحشرون ها هنا- وأومأ بيده إلى الشام- مشاة وركبانا على وجوهكم، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام، وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ}. هذا والفدام: ما يشد على فم الإبريق والكوز من خرقة لتصفية الشراب الذي فيه، أي أنهم يمنعون الكلام حتى تتكلم جوارحهم، فشبه ذلك بالفدام.