البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (20)

و { حتى } : غاية ليحشروا ، { أعداء الله } : هم الكفار من الأولين والآخرين ، وما بعد إذا زائدة للتأكيد .

وقال الزمخشري : ومعنى التأكيد فيها أن وقت مجيئهم النار لا محالة أن يكون وقت الشهادة عليهم ، ولا وجه لأن يخلو منها ومثله قوله : { أثم إذا ما وقع آمنتم به } أي لا بد لوقت وقوعه من أن يكون وقت إيمانهم به . انتهى .

ولا أدري أن معنى زيادة ما بعد إذ التوكيد فيها ، ولو كان التركيب بغير ما ، كان بلا شك حصول الشرط من غير تأخر ، لأن أداة الشرط ظرف ، فالشهادة واقعة فيه لا محالة ، وفي الكلام حذف ، التقدير : { حتى إذا ما جاءوها } ، أي النار ، وسئلوا عما أجرموا فأنكروا ، { شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم } بما اكتسبوا من الجرائم ، وكانوا حسبوا أن لا شاهد عليهم .

ففي الحديث : « أن أول ما ينطق من الإنسان فخذه اليسرى ، ثم تنطق الجوارح فيقول : تباً لك ، وعنك كنت أدافع »

ولما كانت الحواس خمسة : السمع والبصر والشم والذوق واللمس ، وكان الذوق مندرجاً في اللمس ، إذ بمماسة جلدة اللسان والحنك للمذوق يحصل إدراك المذوق ، وكان حسن الشم ليس فيه تكليف ولا أمر ولا نهي ، وهو ضعيف ، اقتصر من الحواس على السمع والبصر واللمس ، إذ هذه هي التي جاء فيها التكليف ، ولم يذكر حاسة الشم لأنه لا تكليف فيه ، فهذه والله أعلم حكمة الاقتصار على هذه الثلاثة .

والظاهر أن الجلود هي المعروفة .

وقيل : هي الجوارح كنى بها عنها .

وقيل : كنى بها عن الفروج .

قيل : وعليه أكثر المفسرين ، منهم ابن عباس ، كما كنى عن النكاح بالسر .

{ بما كانوا يعلمون } من الجرائم .