أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (43)

{ عفا الله عنك } كناية عن خطئه في الإذن فإن العفو من روادفه . { لم أذنت لهم } بيان لما كني عنه بالعفو ومعاتبة عليه ، والمعنى لأي شيء أذنت لهم في القعود حين استأذنوك واعتلوا بأكاذيب وهلا توقفت . { حتى يتبين لك الذين صدقوا } في الاعتذار . { وتعلم الكاذبين } فيه . قيل إنما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئين لم يؤمر بهما ، أخذه للفداء وإذنه للمنافقين فعاتبه الله عليهما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (43)

هذه الآية في صنف مبالغ في النفاق واستأذنوا دون اعتذار ، منهم عبد الله بن أبيّ والجد بن قيس ورفاعة بن التابوت ومن اتبعهم فقال بعضهم ائذن لي ولا تفتني ، وقال بعضهم : ائذن لنا في الإقامة ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استيفاء منه صلى الله عليه وسلم ، وأخذاً بالأسهل من الأمور وتوكلاً على الله ، وقال مجاهد : إن بعضهم قال نستأذنه فإن أذن في القعود قعدنا وإلا قعدنا فنزلت الآية في ذلك .

وقالت فرقة : إن رسول صلى الله عليه وسلم ، أذن لهم دون أن يؤمر بذلك فعفي عنه ما يلحق من هذا ، وقدم له ذكر العفو قبل العتاب إكراماً له صلى الله عليه وسلم ، وقال عمرو بن ميمون الأودي : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدع برأيه في قصتين دون أن يؤمر فيهما بشيء .

هذه ، وأمر أسارى بدر ، فعاتبه الله فيهما ، وقالت فرقة بل قوله في هذه الآية { عفا الله عنك } استفتاح كلام ، كما تقول أصلحك الله وأعزك الله ، ولم يكن منه صلى الله عليه وسلم ، ذنب يعفى عنه لأن صورة الاستنفار قبول الأعذار مصروفة إلى اجتهاده ، وأما قوله { لم أذنت } فهي على معنى التقرير{[5670]} ، وقوله { الذين صدقوا } يريد استئذانك وأنك لو لم تأذن لهم خرجوا معك وقوله { وتعلم الكاذبين } يريد في أنهم استأذنوك يظهرون لك أنهم يقفون عند حدك وهو كذبة قد عزموا على العصيان أذنت لهم أو لم تأذن ، وقال الطبري معناه حتى تعلم الصادقين في أن لهم عذراً والكاذبين في أن لا عذر لهم .

قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا التأويل يختلط المتعذرون وقد قدمنا أن فيهم مؤمنين كالمستأذنين وهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر والأول أصوب والله أعلم .

وأدخل الطبري أيضاً في تفسير هذه الآية عن قتادة أن هذه الآية نزلت بعدها الآية الأخرى في سورة النور { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم }{[5671]} .

قال القاضي أبو محمد : هذا غلط لأن آية النور نزلت سنة أربع من الهجرة في غزوة الخندق في استئذان بعض المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في بعض شأنهم في بيوتهم في بعض الأوقات ، فأباح الله له أن يأذن فتباينت الآيتان في الوقت والمعنى .


[5670]:- قال أبو عبد الله إبراهيم بن عرفة المعروف بنفطويه: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل وألا يفعل حتى ينزل عليه الوحي، كما قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة)، وقد قال الله تعالى: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء}، فكان له أن يفعل ما يشاء مما لم ينزل عليه فيه وحين واستأذنه المتخلفون في التخلف واعتذروا واختار أيسر الأمرين تكرّما وتفضلا منه عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا يكون قوله تعالى: {عفا الله عنك} افتتاح كلام وليس عفوا عن ذنب، كما قال صلى الله عليه وسلم: (عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق) وما وجبتا قط، ومعناه: ترك أن يلزمكم ذلك. اهـ. مع بعض التصرف.
[5671]:- من الآية (62) من سورة (النور).