الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (43)

قوله تعالى : { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } : " لِمَ " و " لهم " كلاهما متعلقٌ ب أَذِنْتَ . وجاز ذلك لأنَّ معنى اللامين مختلف ، فالأولى للتعليلِ ، والثانيةُ للتبليغ ، وحُذِفَتْ ألفُ ما الاستفهاميةِ لانجرارِها . وتقديمُ الجارِّ الأول واجبٌ لأنه جرَّ ما له صدرُ الكلام . ومتعلَّقُ الإِذْنِ محذوفٌ ، يجوز أن يكونَ القُعود ، أي : لِمَ أذنت لهم في القعود ، ويدل عليه السِّياق مِن اعتذارهم عن تَخَلُّفِهم عنه عليه السلام . ويجوز أن يكون الخروج ، أي : لِمَ أذنت لهم في الخروج لأنَّ خروجَهم فيه مفسدةٌ مِنَ التخذيل وغيرِه يدل عليه { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } [ التوبة : 47 ] .

قوله : { حَتَّى يَتَبَيَّنَ } " حتى " يجوز أن تكون للغاية ، ويجوزُ أن تكونَ للتعليل ، وعلى كلا التقديرين فهي جارَّةٌ : إمَّا بمعنى إلى وإمَّا اللام ، و " أَنْ " مضمرةٌ بعدها ناصبة للفعل ، وهي متعلقة بمحذوفٍ . قال أبو البقاء " تقديره : هلاَّ أخَّرْتَهم إلى أن يتبيَّنَ أو ليتبيَّن . وقوله : { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } يدلُّ على المحذوف ، ولا يجوزُ أن تتعلَّقَ " حتى " ب " أَذِنْتَ " لأن ذلك يوجب أن يكونَ أَذِن لهم إلى هذه الغاية أو لأجل التبيين ، وذلك لا يُعاتَبُ عليه " . وقال الحوفي " حتى غاية لِمَا تضمَّنه الاستفهامُ ، أي : ما كان له أن يأذن لهم حتى يتبيَّنَ له العُذْر " . قلت : وفي هذه العبارةِ بعَضُ غضاضة .