بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (43)

قوله تعالى : { عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } ؛ وذلك أن بعض المنافقين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك ، ولم يكن لهم عذر ، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم : { عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } وقال عون بن عبد الله : أخبره بالعفو قبل أن يخبره بالذنب .

ويقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل فعلين قبل أن يؤذن له ، فعاتبه الله على ذلك وعفا عنه ، أحدهما في فداء أسارى بدر ، والثاني في إذنه للمنافقين بالتخلف . فقال له : { عَفَا الله عَنكَ } وَلم يقل : يعافيك لم أذنت لهم في التخلف والقعود عن الجهاد .

قال الفقيه : سمعت من يذكر ، عن أبي سعيد الفاريابي أنه قال : معناه { عفا الله عنك } يا سليم القلب لم أذنت لهم ، فيقال : إن الله تعالى إذا قال لعبده : لم فعلت كذا وكذا ؟ يكون ذلك أشد عليه من الموت كذا وكذا مرةً لهيبة قوله : لم فعلت كذا ؟ ولو أنه بدأ للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : لم أذنت ، لكان يخاف على النبي صلى الله عليه وسلم أن ينشق قلبه من هيبة هذا الكلام . إلا أن الله تعالى برحمته أخبره بالعفو ، حتى سكن قلبه ، ثم قال { لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } بالقعود عن الجهاد . { حتى يَتَبَيَّنَ لَكَ الذين صَدَقُواْ } ، يعني : معرفة الذين صدقوا بعذرهم وإيمانهم . { وَتَعْلَمَ الكاذبين } في عذرهم وإيمانهم ويقال : معناه حتى يتبين لك المؤمن المخلص من المنافق .