فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (43)

الاستفهام في : { عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } للإنكار من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم حيث وقع منه الإذن [ لمن ] استأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذي أبداه ، ومن هو كاذب فيه . وفي ذكر العفو عنه صلى الله عليه وسلم ما يدلّ على أن هذا الإذن الصادر منه كان خلاف الأولى ، وفي هذا عتاب لطيف من الله سبحانه . وقيل : إن هذا عتاب له صلى الله عليه وسلم في إذنه للمنافقين بالخروج معه ، لا في إذنه لهم بالقعود عن الخروج . والأوّل : أولى ، وقد رخص له سبحانه في سورة النور بقوله : { فَإِذَا استأذنوك لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ } ويمكن أن يجمع بين الآيتين بأن العتاب هنا متوجه إلى الإذن قبل الاستثبات حتى يتبين الصادق من الكاذب ، والإذن هنالك متوجه إلى الإذن بعد الاستثبات ، والله أعلم . وقيل : إن قوله : { عَفَا الله عَنكَ } هي افتتاح كلام كما تقول : أصلحك الله ، وأعزّك ورحمك ، كيف فعلت كذا ، وكذا حكاه مكي والنحاس ، والمهدوي ، وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على { عفا الله عنك } ، وعلى التأويل الأوّل : لا يحسن . ولا يخفاك أن التفسير الأوّل هو المطابق لما يقتضيه اللفظ على حسب اللغة العربية ، ولا وجه لإخراجه عن معناه العربي . وفي الآية دليل على جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ، والمسألة مدوّنة في الأصول ، وفيها أيضاً دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة ، والاغترار بظواهر الأمور ، و«حتى » في { حتى يَتَبَيَّنَ لَكَ الذين صَدَقُواْ } للغاية ، كأنه قيل : لما سارعت إلى الإذن لهم ؛ وهلا تأنيث حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذي أبداه ، وكذب من هو كاذب منهم في ذلك ؟

/خ49