غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (43)

38

ثم بين أن ذلك التخلف من بعضهم كان بإذن الرسول ولهذا توجه عليه العتاب بقوله { عفا الله عنك } فإن العفو يستدعي سابقة الذنب . وبقوله { لم أذنت لهم } فإنه استفهام في معنى الإنكار وبيان لما كنى عنه بالعفو . قال قتادة وعمرو بن ميمون : شيئان فعلهما الرسول لم يؤمر بهما : إذنه للمنافقين وأخذه الفداء من الأسارى . فعاتبه الله بطريق الملاطفة كما تسمعون . والذي عليه المحققون أنه محمول على ترك الأولى . وقوله { عفا الله عنك } إنما جاء على عادة العرب في التعظيم والتوقير فيقدمون أمثال ذلك بين يدي الكلام يقولون : عفا الله عنك ما صنعت في أمري ، رضي الله عنك ما جوابك عن كلامي ، وعافاك الله ألا عرفت حقي . وبعد حصول العفو من الله تعالى يستحيل أن يكون قوله { لم أذنت لهم } وارداً على سبيل الذم والإنكار بل يحمل على ترك الأكمل والأولى لاسيما وهذه الواقعة كانت من جنس ما يتعلق بالحروب ومصالح الدنيا . قال كثير من العلماء : في الآية دلالة على جواز الاجتهاد لأنه عليه السلام أذن لهم من تلقاء نفسه من غير أن يكون من الله في ذلك إذن وإلا لم يعاتب أو منع وإلا كان عاصياً بل كافراً لقوله { ومن لم يحكم بما أنزل الله } [ المائدة : 47 ] ولا ريب أنه لا يكون بمجرد التشهي فيكون بالاجتهاد ثم إنه لم يمنع من الاجتهاد مطلقاً وإنما منع إلى غاية هي قوله { حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين } ولا يمكن أن يكون المراد من ذلك التبين هو التبين بطريق الوحي وإلا كان ترك ذلك كبيرة فتعين أن يحمل التبين على استعلام الحال بطريق الاجتهاد ليكون الخطأ واقعاً في الاجتهاد لا في النص ويدخل تحت قوله «ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد » وفي الآية دلالة على وجوب الاحتراز عن العجلة وترك الاغترار بظواهر الأمور . قال قتادة : عاتبه الله كما تسمعون ثم رخص له في سورة النور في قوله { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم } [ الآية : 62 ] . قال أبو مسلم : يحتمل أن يريد بقوله { لم أذنت لهم } الإذن في الخروج لا في القعود ، فقد يكون الخروج غير صواب لكونهم عيناً للمنافقين على المسلمين ، وإذا كان هذا محتملاً فلا تتعين الآية لرخصة الإذن في القعود . وقال القاضي : هذا بعيد لأن سياق الآية يدل على أن الكلام في القاعدين وفي بيان حالهم .

/خ49