تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمۡ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعۡلَمَ ٱلۡكَٰذِبِينَ} (43)

وقوله تعالى : ( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) بالتخلف ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) أي يطلعك الله على نفاقهم ، فيكون ذلك آية من آيات النبوة[ من م ، في الأصل : الله ] : إن لم اذن لهم بالتخلف ، أو إن تأذن[ أدرج قبلها في الأصل وم : لم ] لهم يتبين لك نفاقهم ؛ لأنهم يتخلفون ، ويفارقونك ، وإن لم تأذن لهم ، والذين صدقوا لا يقارقونك ؛ فيتبين هؤلاء من هؤلاء ، ويظهر كذب هؤلاء من صدق هؤلاء المؤمنين .

وفي قوله : ( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ ) دلالة أن النبي إنما أذن لهم بالتخلف بلا أمر . وفيه دلالة العمل بالاجتهاد لأنه لو كان أذن لهم بالتخلف بالأمر لم تكن إجابته على الإذن . دل أنه إنما أذن لهم بالتخلف بالاجتهاد لما ظن أنهم غنما يستأذنونه بالقعود للعدو .

فإن قيل : كيف عاتب رسوله بما أذن لهم بالقعود ، وقد أخبر أنه إنما كان يحكم بما أراه الله بقوله : ( لتحكم بين الناس بما أراك الله )[ النساء : 105 ] قيل : يحتمل أنه إنما عاتبه على ترك [ الأفضل لأن ترك ][ من م ، ساقطة من الأصل ] الإذن لهم بالقعود أفضل من الإذن ؛ إذ به يتبين له الصادق من الكاذب ، ويكون فيه آية من آيات الرسالة . ويجوز أن يعاتب على ترك الأفضل .

ويحتمل أن يكون قوله : ( عفا الله عنك لم أذنت لهم ) تعليما من الله أن كيف يعامل الناس بعضهم بعضا ؟ ليس على العتاب .

ومن الناس من استدل على تفضيل رسول الله على غيره من الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، بهذه الآية لأنه يذكر العفو ، وكذلك في جميع ما ذكر من العتاب لم يذكر زلته ، وذكر في سائر الأنبياء الزلات .