نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

ولما ذكر قولهم الناشىء عن عجبهم ، ذكر سببه ليعلم أن حالهم هو الذي يعجب منه لا حال من أنذرهم بقوله حاكياً قولهم إنكاراً لمضمون ما دخل عليه : { أجعل } أي صير بسبب ما يزعم أنه يوحى إليه { الآلهة } أي التي نعبدها { إلهاً واحداً } ولما كان الكلام في الإلهية التي هي أعظم أصول الدين ، وكان هو صلى الله عليه وسلم وكل من تبعه بل وكل منصف ينكرون أن يكون هذا عجباً ، بل العجب كل العجب ممن يقبل عقله أن يكون الإله أكثر من واحد ، أكدوا قولهم لذلك وإعلاماً لضعفائهم تثبيتاً لهم بأنهم على غاية الثقة والاعتقاد لما يقولون ، لم يزلزلهم ما رأوا من منذرهم من الأحوال الغريبة الدالة ولا بد على صدقه ، فسموها سحراً لعجزهم عنها : { إن هذا } أي القول بالوحدانية { لشيء عجاب * } أي في غاية العجب - بما دلت عليه الضمة والصيغة ، ولذلك قرئ شاذاً بتشديد الجيم ، وهي أبلغ قال الاستاذ أبو القاسم القشيري : فلا هم عرفوا الإله ولا معنى الإلهية ، فإن الإلهية هي القدرة على الاختراع ، وتقدير القادرين على الاختراع غير صحيح لما يجب من وجود التمانع بينهما وجوازه ، وذلك يمنع من كمالهما ، ولو لم يكونا كاملي الوصف لم يكونا إلهين ، وكل أمر جر ثبوته سقوطه فهو باطل مطرح - انتهى . وستأتي الإشارة إلى الرد عليهم بقوله : { العزيز الوهاب } ثم بقوله : { وما من إله إلا الله الواحد القهار } .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{أَجَعَلَ ٱلۡأٓلِهَةَ إِلَٰهٗا وَٰحِدًاۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٌ عُجَابٞ} (5)

قوله : { أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا } الآلهة ، وإلها ، مفعولان لجعل ، وهو بمعنى صيَّر . فهم بسفاهتهم وضلالتهم يستنكرون جعل الآلهة إلها واحدا ويقولون : { إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أي عجب بالغ أو في غاية العجب . وذُكر في سبب نزول هذه الآية أنه لما أسلم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – شقَّ على قريش إسلامه فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا : اقضِ بيننا وبين أخيك ، فأرسل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء – أي العدل – فلا تمِلْ كل الميل على قومك . قال " وماذا يسألونني ؟ " قالوا : ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا ونذرك وإلهك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم " . فقال أبو جهل : لله أبوك ! لنعطينّكهَا وعشْر أمثالها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قولوا لا إله إلا الله " فنفروا من ذلك وقاموا ، فقالوا : { أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا } فكيف يسع الخلْقَ كلهم إله واحد . فأنزل الله فيهم هذه الآيات .