نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا} (61)

ولما ذكر حال النذير الذي ابتدأ به السورة في دعائه إلى الرحمن الذي لو لم يدع إلى عبادته إلا رحمانيته لكفى ، فكيف بكل جمال وجلال ، فأنكروه ، اقتضى الحال أن يوصل به إثباته بإثبات ما هم عالمون به من آثار رحمانيته ، ففصل ما أجمل بعد ذكر حال النذير ، ثم من الملك ، مصدراً له بوصف الحق الذي جعله مطلع السورة راداً لما تضمن إنكارهم من نفيه فقال : { تبارك } أي ثبت ثباتاً لا نظير له { الذي جعل في السماء } التي قدم أنه اخترعها { بروجاً } وهي اثنا عشر برجاً ، هي للكواكب السيارة كالمنازل لأهلها ، سميت بذلك لظهورها ، وبنى عليها أمر الأرض ، دبر بها فصولها ، وأحكم بها معايش أهلها .

ولما كانت البروج على ما تعهد لا تصلح إلا بالنور ، ذكره معبراً بلفظ السراج فقال : { وجعل فيها } أي البروج { سراجاً } أي شمساً ، وقرأ حمزة والكسائي بصيغة الجمع للتنبيه على عظمته في ذلك بحيث إنه أعظم من ألوف ألوف من السرج ، فهو قائم مقام الوصف كما قال في الذي بعده : { وقمراً منيراً* } أتم - بتنقلهما فيها وبغير ذلك من أحوالهما - التدبير ، أي أن العلم بوجوبه لا شك فيه ، فكيف يشك عاقل في وجوده أو في رحمانيته بهذا العالم العظيم المتقن الصنع الظاهر فيه أمر الرحمانية .