البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجٗا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا} (61)

السراج : الشمس .

لما جعلت قريش سؤالها عن اسمه الذي هو الرحمن سؤالاً عن مجهول نزلت هذه الآية مصرحة بصفاته التي تعرف به وتوجب الإقرار بألوهيته .

ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أنه خلق السموات والأرض وما بينهما ، ووصف نفسه بالرحمن ، وسألوا هم فيه عما وضع في السماء من النيرات وما صرف من حال الليل والنهار لبادروا بالسجود والعبادة للرحمن ، ثم نبههم على مالهم به اعتناء تام من رصد الكواكب وأحوالها ووضع أسماء لها .

والظاهر أن المراد بالبروج المعروفة عند العرب وهي منازل الكواكب السيارة وهي الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدي ، والدلو ، والحوت .

سميت بذلك لشبهها بما شبهت به .

وسميت بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها واشتقاق البرج من التبرج لظهوره .

وقيل : البروج هنا القصور في الجنة .

قال الأعمش .

وكان أصحاب عبد الله يقرؤونها { في السماء } قصوراً .

وقال أبو صالح : البروج هنا الكواكب العظام .

قال ابن عطية : والقول بأنها قصور في الجنة تحط من غرض الآية في التنبيه على أشياء مدركات تقوم بها الحجة على كل منكر لله أو جاهل .

والضمير في { فيها } الظاهر أنه عائد على { السماء } .

وقيل : على البروج ، فالمعنى وجعل في جملتها { سراجاً } .

وقرأ الجمهور { سراجاً } على الإفراد وهو الشمس .

وقرأ عبد الله وعلقمة والأعمش والأخوان سُرُجاً بالجمع مضموم الراء وهو يجمع الأنوار ، فيكون خص القمر بالذكر تشريفاً .

وقرأ الأعمش أيضاً والنخعي وابن وثاب كذلك بسكون الراء .

وقرأ الحسن والأعمش والنخعي وعصمة عن عاصم { وقُمراً } بضم القاء وسكون الميم فالظاهر أنه لغة في القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب .

وقيل : جمع قمراء أي ليلة قمراء كأنه قال : وذا قمر منير لأن الليلة تكون قمراء بالقمر ، فأضافه إليها ونظيره في بقاء حكم المضاف بعد سقوطه وقيام المضاف إليه مقامه قول حسان :

بردى يصفق بالرحيق السلسل . . .

يريد ماء بردى .

فمنيراً وصف لذلك المحذوف كما قال يصفق بالياء من تحت ، ولو لم يراع المضاف لقال : تصفق بالتاء وقال { منيراً } أي مضيئاً ولم يجعله { سراجاً } كالشمس لأنه لا توقد له .